الاطار السياسي لقضية مصفاة البترول الاردنية التي ينشغل بها الجميع هنا يقترب كثيرا من حدود لعبة الكلمات المتقاطعة الكلاسيكية، فالتساؤلات العالقة بعيدا عن التحقيق القضائي تتزايد وتتوالد باستمرار والنهاية لمسار ملف هذه القضية لا تبدو قريبة او وشيكة او يمكن توقعها.
كل القراءات في الجانب السياسي تقول ضمنيا بأن كل الاحتمالات ما زالت قائمة وسط تزايد واضح في شغف الرأي العام لمتابعة التفاصيل لا ينافسه الا شغف الصحافة في ملاحقة ومطاردة الوقائع والحقائق، فالقضية تتعلق بقطاع البترول والطاقة الحيوي جدا، ورموزها سواء على صعيد التحريك الحكومي او على صعيد المتهمين لا يمكن الاستهانة بهم.
واللافت ان هذه القضية بدات تجلب وتستقطب نخبة من كبار المحامين بعضهم خبراء في القانون وبعضهم الآخر خبراء جدا في الملاعبة السياسية والمايكروفون علما بان مسار التحقيق يسير ببطء شديد وما يعلن من حيثيات له علاقة باولويات سياسية بكل تأكيد.
ويبدو لافتا هنا حراك المحامين الذين تولوا الدفاع عن المتهمين الاربعة وهو بكل الاحوال حراك ينتج طابعا سياسيا حتى بدون قصد، فحتى الآن ثمة تساؤلات معلقة ايضا برسم الاجابة تنتجها حركة نخبة من المحامين المشاهير الذين قدروا وقرروا بأن ربط اسمائهم بهذه القضية قد يخدمهم ماليا وسياسيا بنفس الوقت.
هنا حصريا وفي السياق السياسي للقضية لا بد من ملاحظة الغبار الذي اثاره نقيب المحامين السابق صالح العرموطي وهو ينضم متأخرا لهيئات الدفاع عن المتهمين الاربعة، فالعرموطي اكثر من مجرد محام بل ظاهرة نقابية وسياسية صاخبة تمشي على رجلين والرجل اعلن عن انضمامه لركب هيئات الدفاع في قصة البترول ببيان سياسي واعلامي وليس ببيان قانوني.
وليس سرا في اوساط المحامين ان العرموطي يجيد مخاطبة الجماهير بالعادة ولديه خبرة استثنائية في مناكفة السلطة والمسؤولين، لكن بالمقابل لا احد يعرف حتى الآن لماذا تخلى نقيب المحامين الحالي احمد طبيشات وفي وقت مبكر جدا عن موكله الدكتور احمد الرفاعي المدير السابق لشركة مصفاة البترول.
والرفاعي نفسه هنا ونقصد المتهم سجل مفارقة اخرى لا احد يفهم دلالاتها حتى الآن فمن يمثله قانونيا خلفا للطبيشات هو المحامي فيصل البطاينة الذي يشير له الاعلاميون والقانونيون باعتباره صديقا شخصيا لرئيس الوزراء سمير الرفاعي.
ولا يقف الامر عند هذا الحد فالمحامي البطاينة الذي يعد ايضا من المشاكسين والصلبين والمعنيين بالقضايا الاشكالية، والجدلية هو الوكيل القانوني حتى وقت قريب لرئيس الوزراء الذي يعتبر بالنسبة للمتهمين خصمهم الاول خصوصا بعدما قرر اعتبار القضية جريمة اقتصادية وارسلها لمحكمة امن الدولة.
يعني ذلك ببساطة ان المحامي الشخصي لرئيس الوزراء هو خصمه في المحكمة لصالح المتهم احمد الرفاعي وتلك مفارقة لافتة ولا يمكن اخفاءها في هذه القضية التي كان يمكن ان لا تكون اشكالية مع ان البطاينة نفسه برز في وقت مبكر ليدافع قانونيا واعلاميا وسياسيا عن قرار الرفاعي الرئيس بتحويل القضية لجريمة اقتصادية فيما يتولى الآن الدفاع عن الرفاعي المتهم.
وزير المالية الاسبق عادل القضاة وهو ابرز المتهمين الاربعة وقد يكون الوزير الوحيد السابق الذي خضع لتحقيق قضائي بتهم فساد خلال الـ 25 سنة الماضية اختار لتمثيله محاميا ضخما بالمعنى السياسي والقانوني ايضا وهو القطب البعثي البارز احمد النجداوي المصنف باعتباره ابرز محامي القضايا الجنائية.
وخلفية النجداوي الحزبية كشخصية بارزة في المعارضة تجعله مؤهلا للتوقف عند تفاصيل التفاصيل في اطار رؤية دفاعية تستعد لما بعد محكمة امن الدولة ـ اي محكمة التمييز.
وبالتالي لم يكن غريبا على النجداوي وهو رجل التفاصيل المرهقة اللجوء لتكتيك متعب وهو يتابع الاجراءات الشكلية في قضية موكله الوزير السابق، مركزا بوضوح في مطالعته الدفاعية الاولى على هذه الشكليات لنسف رواية الاتهامات جذريا دون اسقاط السعي بوضوح لتسليط الضوء على الجانب السياسي في القضية .
اما رجل الاعمال البارز خالد شاهين فيعمل معه فريق من المع المحامين يقودهم محام متمرس اعتبر دوما مرجعا في الاطار القانوني اسمه الدكتور محمد الحموري الذي تتلمذ على يديه مئات المحامين بعضهم اصبحوا نجوما الآن.
والحموري يلجأ له اصحاب الرأي الآخر في الأطر الدستورية والقضايا الخلافية ووجوده على رأس هيئة تدافع عن شاهين يعني سياسيا بأن الاخير يستعد لأسوأ الاحتمالات السياسية واعقد السيناريوهات القضائية.
وبعيدا عن تفاصيل القضية نفسها واطارها التحقيقي لا بد من ملاحظة عناصر القوة التي تحاول استثمارها هذه النخبة من المحامين المسيسين مما يعني تلقائيا بان كل الاحتمالات لا زالت فعلا واردة في هذه القضية
المفضلات