السلام عليكم
العلاقة مع الله والعلاقة مع الناس
التديّن والمعاملة مع الناس
إن الدين له مهمتان رئيستان في حياة الإنسان:
الأولى: تنظيم العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، وذلك عندما يتعرّف الإنسان على خالقه ويخضع له ويتقيه، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ (النحل: 36)، ويتمثل هذا الجانب في الدين في تشريعاته العبادية من الصلاة والصوم وسائر العبادات.
المهمة الثانية: تنظيم العلاقة مع الناس، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25)، ففي هذه الآية إشارة واضحة أن من أهداف بعثة الأنبياء إقامة العدالة بين الناس.
والمتدين هو من يلتزم بهاتين المهمتين، بأن ينضبط بضوابط الشرع في تنظيم علاقته مع الخالق جلّ وعلا، وأن ينضبط بضوابط الشرع والدين في طريقة تعامله مع الناس، فالدين ليس طقوسا عبادية فقط، بل هو مزيج من الخضوع والتذلل لله سبحانه وفي نفس الوقت حسن التعامل والأدب مع الآخرين.
بل إن هناك نصوصا كثيرة تؤكد على أن تأدية حقوق الناس لها أولوية حتى على أداء حق الله سبحانه وتعالى، كما ورد في ذلك عن أمير المؤمنين قوله: «فجعل حقوق عباده مقدّمة على حقوقه».
ويحكى أن الصحابة مدحوا للرسول امرأة في حسن تعبدها وأدائها للنوافل والصيام المستحب، فسألهم الرسول : «وكيف هي مع جيرانها؟»، فقالوا: إنها تسب وتشتم، فقال : «لا حاجة لله في صلاتها ولا في صومها».
حفظ الحقوق ومراعاة المشاعر
شخصية الإنسان لها صورتان: مادية ومعنوية.
المادية ما نراه من الإنسان في مظهره الخارجي، من لحم ودم، وما يتبع من مصالح وأوضاع مادية أخرى، كأمواله وممتلكاته الخاصة.
والمعنوية هي مشاعر الإنسان وعواطفه وما يتبع ذلك من قيمة معنوية واعتبارية للإنسان.
وعلى كل إنسان أن يحترم أخاه الإنسان في كلا الجانبين: المادي والمعنوي.
فكما أنه لا يجوز الاعتداء على الإنسان جسديًا بالجرح والإيذاء الجسدي والقتل، فكذلك لا يجوز الاعتداء عليه معنويًا بجرح مشاعره وخدش أحاسيسه وإهانة كرامته.
بل إن التعرّض للجانب المعنوي أشد عند الإنسان من الجانب المادي، فاهتمام الإنسان بالكرامة والمكانة الاجتماعية أكثر من اهتمامه بجسمه ومظهره الخارجي، ويحافظ عليها بشكل أحرص وأشد.
وفي هذا الصدد يقول أمير المؤمنين : ««طعن اللسان أمضى من طعن السنان»».
وقد نبه رسولنا الكريم إلى هذه النقطة في تعريفه للمسلم، فروي عنه قوله : ««المسلم من سَلِمَ الناس من لسانه ويده»»، فقدّم حفظ اللسان على باليد.
والآية الكريمة تأمر النبي بأن يبلغ المسلمين أن يتعاملوا مع بعضهم البعض ويتخاطبوا بالأسلوب الأحسن، يقول تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾، حيث عبّرت الآية الكريمة بِـ «الأحسن»، أي يختاروا اللفظ والأسلوب الأحسن، وليس مجرّد الحسن.
وعندما نطالع السيرة النبوية الشريفة نجدها تؤكد على جانب أهمية رعاية المشاعر والأحاسيس في التعامل، ننقل منها بعض المواقف:
* وكان يُؤتى له بأبناء وأطفال الصحابة، فيحدث في بعض الأحيان أن يتبول الطفل في حجر الرسول، فيبقيه الرسول في حجره إلى أن يكمل تبوله، فيستغرب الصحابة، فيقول لهم : «إن ثوبي يطهره الماء، فما الذي يطهر قلب الطفل».
ومن الأحكام الشرعية أنه في حال نوى الإنسان الصيام المستحب، وصادف أن دعاه أحد أصحابه للإفطار فإنه يستحب له الإفطار إذا كان ذلك يدخل السرور على قلب أخيه.
وهناك أحكام فقهية كثيرة لها علاقة بتنظيم علاقة الإنسان بالآخرين بحيث يحفظ لهم حقوقهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، كحرمة الغيبة والبهتان وإهانة المؤمنين وقذفهم بالباطل
مارقى لي
المفضلات