انفجار المعلومات لم يكن فاتحة خير على الإنسان عامة، والشعب العربي خاصة،فقد ارتفع مستوى تمدن البشر شكلا واستهلاكا،و تراجع خلقا وإنسانية، سلوكا وعاطفة، وانهارت عنده القيم، وتعاظمت أساليب الانحراف وتزايدت أوجه الآفات الاجتماعية بسبب سوء استغلال التكنولوجيا ذاتها،فقد وفرت التكنولوجيا للإنسان الكثير من الحاجيات، الوقت، الراحة، ويسرت الأعمال لكنها حملت بذور الشر والفساد في ثناياها، وأوضح دليل على ذلك الخراب والدمار الذي يعصف بحياة البشر وتراثهم الحضاري وتبديد محيطه الطبيعي جراء الحروب والتلوث الصناعي والاستغلال اللاعقلاني لما جادت به الطبيعة.
فتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعاظم أثرها على أخلاق الناشئة، خاصة المراهقين منهم المتحمسين للمغريات التي تعرضها وسائل الإعلام بمختلف أصنافها (فضائيات، ودوريات، وما تعج به شبكة الانترنت على المواقع اللاأخلاقية والدعائية)، ممّا أدى إلى انفصام في نظرتهم إلى القيم والأخلاق.
في السابق كان الناس يشاهدون العنف عبر التلفاز، أما الآن فقد أصبح بإمكانهم أن يشاركوا في هذا العنف عبر ألعاب الفيديو والحاسوب المنزلي، إنه لأمر سيء أن يمطرنا التلفاز بوابل من العنف،ولكن الاسوأ أن نشارك نحن في هذا العنف،حتى ولو بصيغة تخيلية، وإلقاء اللوم على التكنولوجيا ليس هو الحل، فلننظر إلى ذواتنا ومجتمعنا،ونتأمل معاييرنا وقيمنا، وفي الوقت نفسه علينا أن نأخذ حذرنا في مواجهة أولئك الذين يعارضون التقدم التكنولوجي باسم المحافظة على الأخلاق،إن تركيزنا يجب أن ينصب على كيفية استخدام الأدوات والوسائل التكنولوجية،ويجب ألا ينصب تفكيرنا على الأدوات والوسائل،بل على كيفية استخدامها.
وفي وقت أصبح تطور التكنولوجيا يسير بوتيرة متصاعدة وأكثر من سريعة،وبالرغم من أن التكنولوجيا ليست بذاتها خيراً أو شراً،وإنما هي وسيلة وأداة يمكن توظيفها في الخير أو الشر،وبالرغم من كل ما تحمله ثورة التكنولوجيا من فرص وآفاق جديدة تخدم المعرفة والعلم والإنسان والحضارة إلا أنه يجب القول أيضاً أنها تفرض في الوقت نفسه على المجتمع الإنساني تحديات جديدة تمثل خطراً حقيقياً على المبادئ الأخلاقية والقيم الدينية والإنسانية، والمبادئ الأخلاقية التي من أهم مفرداتها: الصدق، والإخلاص، والمسؤولية، والحياء، والمروءة، والشرف، والكرامة، والاحترام، والعزة، والإرادة.. هذه المفردات وغيرها من المبادئ والقيم الأخلاقية تواجه تدميراً حقيقياً في عصر لم يعد فيه الحياء مطلوباً، ولا إقامة علاقات غير شرعية ممنوعاً.وفي وقت أصبح فيه التلفاز والكمبيوتر والإنترنت تبث إلى منازلنا أفلاماً وصوراً خادشة للحياء والمروءة، فإن كل ذلك ليبعث على القلق والخوف الشديد على مستقبل أخلاقيات شبابنا وأبناؤنا وأطفالنا.
والواقع يتساءل هل أفسدت التكنولوجيا الأخلاق؟!.
المفضلات