بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعريف الناس بدينهم ، ووعظهم بما يرقق قلوبهم مشروع في كل وقت ؛ لورود الأمر بذلك مطلقا دون تقييد بوقت معين ، قال الله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } وقال سبحانه : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } وقال سبحانه في بيان حال المنافقين وموقف الدعاة منهم : { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا }{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا }{ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا } إلى غير ذلك من الآيات .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكرا فإن استطاع أن يغيره بيده فليفعل وقال مرة فليغيره بيده فإن لم يستطع بيده فبلسانه فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " روا مسلم
جاء في هذا الحديث مراتب تغيير المنكر ، وأنها ثلاث درجات : التغيير باليد للقادر عليه ، كالحكام ، والرجل مع ولده ، وزوجته ، فإن لم يتمكن المكلف من التغيير باليد فبلسانه ، كالعلماء ومن في حكمهم ، وإذا لم يتمكن من التغيير باللسان فينتقل إلى التغيير بالقلب ، والتغيير بالقلب يكون بكراهة فعل المنكر وكراهة المنكر نفسه ، والتغيير بالقلب من عمل القلب ، وعمل القلب إذا كان خالصا صوابا يثاب عليه الشخص ، ومن تمام الإنكار بالقلب مغادرة المكان الذي فيه المنكر .
ولكن " إن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة "
من القواعد والمبادئ العامة التي تحكم القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أن يدرك الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن درء المفسدة مقدم على طلب المصلحة ؛ لذا عليه أن يفقه المصالح الحاصلة من أمره ونهيه والمفاسد الناتجة عن ذلك ، وإيضاح ذلك أنه :
1 - إن حصلت مصلحة أعظم من المفسدة وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2 - إن كانت المفسدة أعظم من المصلحة لم يجب عليه بل يحرم .
3 - إذا حصل التساوي والتكافؤ بين المعروف والمنكر لم يؤمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر ؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح .
4 - اختلاط المعروف بالمنكر : عند ذلك يدعى إلى المعروف دعوة مطلقة ، ينهى عن المنكر نهي مطلق .
وقد أوضح ابن تيمية - رحمه الله - هذه القاعدة العامة بقوله : " وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة ، فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت ، فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد ، وتعارضت المصالح والمفاسد .
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له ، فإن كان الذي يفوت من المصالح ، أو يحصل من المفاسد أكثر ، لم يكن مأمورا به ، بل يكون محرما ، إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته .
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة ، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها ، وإلا اجتهد برأيه إذا كان من أهل الاجتهاد لمعرفة الأشباه والنظائر . وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالاتها على الأحكام .
وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرق بينهما ، بل إما أن يفعلوهما جميعا أو يتركوهما جميعا ، لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا ينهوا عن المنكر ، بل ينظر فإن كان المعروف أكثر أمر به ، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله ، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وزوال فعل الحسنات .
والله تعالى أعلم
هذا الموضوع جمعته من أقوال أهل السنة
ولله الحمد والمنة
المفضلات