بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
" أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم
أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/470 ) :
ضعيف
أخرجه الترمذي ( 3/346 - تحفة ) و ابن ماجه ( 2/587 ) قالا : حدثنا عباس بن
محمد الدوري البغدادي ، و ابن أبي الدنيا في " صفة النار " ( ق 9/1 ) حدثني أبو
الفضل مولى بني هاشم قالا : نا يحيى بن أبي بكير : نا شريك عن عاصم عن أبي صالح
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و قال الترمذي وحده :
" حدثنا سويد بن نصر أنا عبد الله عن شريك عن عاصم عن أبي صالح أو رجل آخر عن
أبي هريرة نحوه ، و لم يرفعه و حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح ، و لا أعلم
أحدا رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك " .
قلت : يحيى هذا ثقة محتج به في الصحيحين ، فلا مجال للغمز منه ، و لا سيما
و فوقه شريك و هو ابن عبد الله النخعي القاضي و هو سيء الحفظ كما مر في هذه
السلسلة مرارا ، فهو علة الحديث ، و يؤكد ذلك اضطرابه فيه فتارة يرفعه و أخرى
يوقفه ، و تارة يجزم في إسناده فيقول : عن أبي صالح ، و تارة يشك فيه فيقول : "
عن أبي صالح أو عن رجل آخر " ، و ذلك من علامات قلة ضبطه و سوء حفظه فلا جرم
ضعفه أهل العلم و المعرفة بالرجال ، فالحديث ضعيف مرفوعا و موقوفا .
نعم قد صح بعضه عن أبي هريرة موقوفا ، أخرجه مالك في " الموطأ " ( 3/156 ) عن
عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال :
" أترونها حمراء كناركم هذه ؟ لهي أسود من القار . و القار الزفت " .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين ، و لولا أنه يحتمل أن يكون من
الإسرائيليات لقلت - كما قال غيري - إنه في حكم الموضوع . والله أعلم .
و الحديث قال ابن كثير في تفسيره ( 4/544 ) بعد أن ذكره من المصدرين السابقين :
" و قد روي هذا من حديث أنس ، و عمر بن الخطاب " .
قلت : حديث أنس ضعيف الإسناد ، و مع ذلك فهو مختصر ليس فيه إلا الجملة الأخيرة
منه في حديث آخر بلفظ :
" و نار جهنم سوداء مظلمة " .
قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 10/388 ) :
" رواه البزار ، و رجاله ضعفاء على توثيق لين فيهم " .
قلت : فيه تساهل ظاهر ، فإن من رجاله زائد بن أبي الرقاد كما تبين من الرجوع
إلى " كشف الأستار " ( 3489 ) .
و قد أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال : " قال البخاري : منكر الحديث " .
و أما حديث عمر فواه جدا ، بل آثار الوضع عليه لائحة فلابد من ذكره على طوله ،
و هو الآتي بعده .
هذا الحديث من الأحاديث الكثيرة الضعيفة التي ضخم بها الشيخ الصابوني الحلبي
كتابه " مختصر تفسير ابن كثير " ( 3/670 ) و ما كنت لأهتم بذلك لولا أنه تشبع
بما لم يعط و زعم في مقدمته أنه اقتصر فيه على الأحاديث الصحيحة ، و واقع
الكتاب يكذبه . و قد كنت بينت ذلك بيانا شافيا ، مع بعض الأمثلة في مقدمة
المجلد الرابع من " الصحيحة " ، و هذا الحديث من الأمثلة الجديدة على ذلك ،
و تقدم غيره .
ثم اطلعت على " مختصر تفسير ابن كثير " للشيخ نسيب الرفاعي الحلبي ، فإذا به قد
سبق ابن بلده إلى هذا الزعم الكاذب في مقدمته ، و أخل به كإخلاله أو أشد ، فقد
زاد عليه في التشبع بما لم يعط : أنه وضع في آخر كل مجلد فهرسا لأحاديثه صدر كل
حديث منها بذكر مرتبته بقوله : " صح " ، " حسن " و أحيانا " مرسل " " ض " كل
ذلك بمحض رأيه غير مستند في ذلك إلى عالم بهذا الفن حتى و لا إلى ابن كثير نفسه
، و لا مجال الآن لضرب الأمثلة ، و قد مر شيء منها ، ثم إني أذكر أنني خرجت
مثالا واحدا منها صححه بجهل بالغ ، و في إسناده عند ابن كثير من قال فيه ابن
معين : كذاب يضع الحديث ، و سيأتي هذا الحديث برقم ( 5655 ) بإذن الله تعالى .
كتبت هذا نصحا للقراء و تحذيرا ، والله المستعان من المتاجرين بادعاء العلم في
آخر الزمان .
المفضلات