عقول مسيحية تنكر ألوهية المسيح
127- ولكنا وقد يئسنا من أن يسير البروتستنت في طريقهم إلى أقصى مداه وجدنا العقول المسيحية قد تنبهت ، والدراسة العلمية والفلسفية قد سارت ونور الإسلام قد انبلج ، فوجدنا علماء كثيرين قد صرحوا في قوة بأن المسيح لم يكن إلا رسولاً ، وإنه لم يكن أكثر من بشر ، قد قبسوا ذلك من الأناجيل نفسها ، فهذا رينان قد جهر بذلك في قوة وجرأة ولم يمنعه حرمان الكنيسة له من الإصرار على رأيه والذود عنه ، وهذا تولستوى ينكر على المسيحيين أُلوهية المسيح ، وتنتهي نتائج بحثه إلى أن بولس لم يفهم تعاليم المسيح ، بل طمسها ، والكنيسة زادت تعاليم المسيح بالنسبة للاعتقاد غموضاً وإخفاء.
ولنترك الآن الكلمة لذلك الفليسوف ، فهو يقول : "إنه ينبغي لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقي ، كما كان يفهمه هو أن نبحث في تلك التفاسير والشروح الطويلة التي شوهت وجه التعليم المسيحي ، حتى أخفته عن الأبصار تحت طبقة كثيفة من الظلام ، ويرجع بحثنا إلى أيام بولس الذي لم يفهم تعليم المسيح ، بل حمله على محمل آخر ، ثم مزجه بكثير من تقاليد الفريسيين ، وتعاليم العهد القديم ، وبولس كما لا يخفى كان رسولاً للأمم ، أو رسول الجدال والمنازعات الدينية ، وكان يميل إلى المظاهر الخارجية الدينية ، كالختان وغيره فأدخل أمياله هذه على الدين المسيحي فأفسده ، ومن عهده ظهر التلمود المعروف بتعاليم الكنائس ، وأما تعليم المسيح الأصلي الحقيقي فخسر صفته الإلهية الكمالية ، بل أصبح إحدى حلقات سلسلة الوحي التي أولها منذ ابتداء العالم ، وآخرها في عصرنا الحالي ، والمستمسكة بها جميع الكنائس ، وأن أولئك الشراح والمفسرين يدعون يسوع إلهاً دون أن يقيموا على ذلك الحجة ، ويستندون في دعواهم على أقوال وردت في خمسة أسفار : موسى ، والزبور ، وأعمال الرسل ، ورسائلهم ، وتأليف آباء الكنيسة ، مع أن تلك الأقوال لا تدل أقل دلالة على أن المسيح هو الله.
هو إذن ينكر أُلوهية المسيح ، وينكر أُلوهية روح القدس ، ويعتقد بأن الله واحد أحد فرد صمد ، وينكر أن تكون كتب النصارى كتبت بإلهام ، ويعلن في جرأة إنها حرفت وأصابها التغير والتبديل ، فيقول في صراحة المستمسك بالعروة الوثقى : "أن المسيحيين واليهود والمسلمين يعتقدون جميعهم بالوحي الإلهي ، فالمسلمون يعتقدون بنبوة موسى وعيسى ولكنهم يعتقدون كما أعتقد بأنه دخل التحريف والتشويه على كتب الديانة النصرانية ، وهم يعتقدون بأن محمداً خاتم الأنبياء ، وإنه قد أوضح في قرآنه تعاليم موسى وعيسى الحقيقية ، كما قالاها دون زيادة ولا نقص ، وأن كل مسلم أمامه القرآن يقرؤه ، ويتمسك به ويسير بموجب أحكامه ، ولا يعترف بغيره من الكتب مهما اشتهر واتسموها بالتقوى والصلاح ، ويسمى المسلمون ديانتهم بالمحمدية ، لأن محمداًَ وضعها بخلاف الكنيسة المسيحية التي تسير الآن بموجب تأليف الآباء الذين يدعون بأن ما كتبوه هو من روح القدس ، فكان الأحرى بالمسيحيين أن يسموا كنيستهم بالروحية القدسية أولى من تسميتها بالمسيحية".
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)
المفضلات