القتل ضمن العائلة الواحدة مستهجن ودخيل على مجتمعنا
" اب يقدم على قتل اولاده طعنا بالسكين " , " ام تقتل اطفالها وتحاول الانتحار " ," شاب يردي والدته وشقيقته قتيلتين " , وسواها من العناوين التي تطالعنا بها الصحف احيانا مثيرة استهجان الرأي العام الذي اعتبر تلك الجرائم دخيلة على مجتمعنا المشهود له بالتكافل والتعاضد .
اخصائيو علم نفس واجتماع وعلماء دين اشاروا الى ان تلك الجرائم لا تنم عن ظاهرة بل انها قضايا فردية ناجمة عن العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية .
واكدوا اهمية الحوار العائلي واحترام الرأي والرأي الاخر ضمن العائلة الواحدة وتعزيز العبادات والالتزام بتعاليم الدين الحنيف الذي حرّم قتل النفس الا بمحددات شرعية على ان ينفذ عبر الحاكم او الامام وليس ان يقتص الشخص لنفسه من نفس اخرى بيده وهو ما حرمه الاسلام ونهى عنه . ويرى اختصاصي علم النفس الدكتور يوسف ابو حميدان ان القتل بين افراد الاسرة الواحدة ليس جديدا وربما اسهم الاعلام في شعور البعض بانه ظاهرة , لكنه ليس كذلك منوها الى ان من يقدم على القتل سواء لاحد اقربائه او لشخص غريب هو بالضرورة يعاني من اضطراب نفسي واحيانا عقلي ادى به الى ان ترخص النفس البشرية في نظره .
ويحلل ان ما يشاع عن بعض من يقدمون على قتل ابنائهم بانهم معروفون بحسن السيرة والسلوك والتدين والالتزام لا يكون بالضرورة واقعيا , اذ ان كثيرا منهم قد يعانون من امراض نفسية جراء الاحباطات والشعور بالمعاناة ولا تكون ظاهرة للعيان وتظهر فقط لحظة الجريمة التي تغيب فيها العقلانية .
ويعلل الدكتور حميدان ان اقدام الام على قتل ابنائها قد ينبع من شعورها وهي -المضطربة نفسيا بالضرورة – من ان ابناءها سيعانون معاناة شديدة بعد موتها وقد تكون خططت للانتحار بعد ان تقتلهم , فتقتلهم بدافع الخوف عليهم منوها الى ان هذا التبرير غير مقبول على الاطلاق , لكن يبدو انه واقع حال بالنسبة للامهات اللواتي تهون عليهن انفس فلذات اكبادهن .
ويفسر ان حالات قتل افراد العائلة بشكل جماعي مرده الى ان من يقتل نفسا واحدة تهون عليه بعد ذلك عملية القتل , فيستمر بها بصرف النظر عن عدد الاشخاص المستهدفين لانه بذلك يكون في حالة يصفها علم النفس بالهستيرية .
ويهرب من يقدم على قتل اعز اقربائه من واقعه وفقا للدكتور حميدان حين يصل الى مرحلة متقدمة من الاضطراب النفسي والكبت , بعدها لا يستطيع تحمل المزيد في الوقت الذي كان من المفترض به ان يلجأ الى النصح والمشورة او ان يراجع الاختصاصي النفسي لدى شعوره بأي من اعراض القلق او الاكتئاب او التوتر .
وينصح الاهالي بمتابعة ومراقبة أي تغير في سلوك احد افراد الاسرة والتنبه له منعا لحدوث أي تطور لا يحمد عقباه مبينا ان غياب التواصل الاجتماعي يسهم في زيادة مشكلات الاكتئاب , ومن هنا تاتي اهمية التفاهم ومحاولات فهم الاخر والتواصل العائلي والترويح عن النفس بين فترة واخرى .
ويشدد على ان السلوك الاجرامي ليس وليد الساعة بل انه نتيجة لتراكم العديد من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية .
استاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي يقول ان من ابشع انواع الجرائم تلك التي ترتكب ضمن محيط الاسرة الواحدة والتي يكون الجاني فيها من الذين يفترض انهم مصدر للامان و الاستقرار للاسرة والدفاع عنها .
ويبين ان السبب الاساس لوقوع مثل تلك الجرائم هو غياب الحوار الاسري الايجابي الذي يعزز احترام الرأي والرأي الاخر ويحل المشكلات لا زيادتها وتفاقهما مشيرا الى ان غياب التنشئة الاسرية والتوعية بالحقوق والواجبات المشتركة بين الزوجين المبنية على التسامح والتعاون المشترك تمثل سببا هاما لوقوع مثل تلك الجرائم .
ويرى الدكتور الخزاعي ان ما يثير القلق حيال حدوثها هو ان التوجيه من قبل بعض الاهالي للزوجة قبل الزواج يكون منصبا على ثقافة التحمل والصبر وعدم مواجهة مشكلات الزوج في محاولة لبناء قناعة لدى الزوجة ان الزوج هو صاحب الحق في كل شيء الامر الذي يؤدي الى تربية خاطئة للابناء من قبل الزوجة التي ترحّل معها هذه الثقافة في ظل غياب الحوار والمناقشة الايجابية مع الزوج .
ويقول ان غياب الوازع الديني يعد من اهم اسباب تلك الجرائم , اذ ان الايمان والالتزام الديني يحث على الحفاظ على النفس وعدم الاعتداء على الاخرين او ايذائهم .
ويوضح ان المبالغة في رد الفعل من قبل احد افراد الاسرة يؤدي الى ارتكاب مثل هذه الجرائم ضمن العائلة الواحدة مبينا ان غالبيتها تصنف ضمن الاسباب البسيطة الهامشية التي تتمثل بشدة الغضب الآني ( العصبية ) أي ان الجريمة غير مخطط لها وانها وليدة لحظتها جراء ذلك الانفعال المبالغ به . ويقول ان غياب او تغييب العقلاء والحكماء الذين يقومون بالعادة بدور توجيهي وارشادي لابنائهم اضافة الى غياب التفاعل والتواصل الاجتماعي بين الاقارب في بعض الحالات يؤدي الى حدوث مثل تلك الجرائم .
ويشير الدكتور الخزاعي الى انه قد يكون لتردي الاوضاع المعيشية دور في ارتكاب مثل هذه الجرائم الا انه لا يمثل سببا رئيسيا لوقوعها بل ان تجاوز ومخالفة العادات والتقاليد والقيم لدى البعض في مجتمعنا كما يرى تمثل اهم اسبابها . يقول عميد كلية الشريعة في الجامعة الاردنية الدكتور محمد المجالي ان الاصل بالام انها تحتضن بالفطرة كل الحنان والعطف على ابنائها وانها تجوع لتفديهم وتعطش من اجلهم , ولا يمكن لها ان تقدم على قتلهم او حتى ايذائهم الا اذا كانت تعاني من اضطراب ما .
ويؤكد ان الحالات التي اقدمت بها ام على قتل ابنائها او غير ذلك من حالات القتل ضمن العائلة الواحدة هي محدودة وليست ظاهرة اذ ان المجتمع الاردني مجتمع متكافل ومتراحم مشيرا الى ان الدين الاسلامي الحنيف نهى عن الضرر والشر والقتل بكل اشكاله استنادا الى قول الله تعالى " من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا , ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا " .
ويبين ان الشريعة الاسلامية جعلت للقتل محددات واضحة بحيث يكون تقديرها في يد الحاكم او الامام ولاسباب موجبة كالقتل العمد او زنا المحصن على سبيل المثال , وليست في يد الناس حتى لو برروا هذا القتل بدوافع الفقر او الشرف او الثأر او الارث او غيرها فانه محرم .
ويرى الدكتور المجالي ان ما يشهده مجتمعنا من حالات لقتل عائلي حتى ولو كانت فردية يستدعي شيوع ثقافة مراجعة الاختصاصي النفسي في حالة الشعور بأي نوع من انواع القلق او الشك او عدم الراحة مؤكدا ان مراجعته ليس مثلبة وهي كذلك ليست لمن يعاني الجنون فقط كما يشاع في ذهنية معظم الناس .
ويشدد في هذا السياق على تعزيز العبادات والايمان التي تعد من اهم العوامل التي تحصن الانسان من الوقوع في الخطأ او الجنوح داعيا الى توطيد الروابط العائلية وتدعيمها بالمحبة والالفة وطرد الوساوس والشك والريبة بين افرادها لتعزيز الثقة فيما بينها .
"بترا - بشار الحنيطي واخلاص القاضي"
المفضلات