*** لماذا يقدم الإنسان على الشر .... ؟!!! ***
لولا ان الشر طعمه حلو في بدايته لما اقبل عليه نفر كثير من الناس.. هؤلاء النفر يتصفون بقصر النظر.. وقصر النظر هذا درجات متفاوتة.. فمن الناس من يتصف بقصر النظر الشديد.. وهؤلاء يرتكبون من الآثام ما يشيب لهوله الولدان.. ولا ينظرون الي ابعد مما يفعلون.. ومعظمهم يتم الامساك بهم بعد ساعات قليلة من ارتكابهم لجرائمهم.. ويكونون في هذا الوقت مختبئين لدي اصدقائهم او اقاربهم(!)
وكأن هذا الاختباء سوف يبعدهم طويلا عن أعين الشرطة التي تلاحقهم..
الانسان بعيد النظر لا يتورط في ارتكاب ما يعرضه للملاحقة مهما كان اغراء ما هو متاح له او ما يظن انه متاح له, من الاعمال التي يجرمها القانون او يأباها الضمير او يحرمها الدين.. والمفروض ان يعلم بأن الاغراء هو الفخ الذي يقع فيه الكثيرون ممن يتصفون بقصر النظر, ولا يرون ما هو ابعد من ارتكابهم تلك الاعمال او الممارسات المرفوضة عرفا ودينا وخلقا وفي النهاية قانونا.. والاغراء ربما يكون له طعم حلو في بدايته ولكن بعد ان يبتلع الواحد الطعم فسوف يحس بالخطاف في حلقه بحيث لا يستطيع ان ينتزعه, ولن يغني عنه ما اكله من طعام قليل معلق بالخطاف(!) هذا ما نراه بالنسبة للسمكة التي لا تستطيع فكاكا من السنارة التي في حلقها بعد ان تبتلع الطعم..
الطعم الحلو للحرام في البداية شديد المرارة في النهاية.. واذا لم نفطن لهذه الحقيقة الازلية قبل ان نقدم علي شئ ما ضعنا وفقدنا انفسنا واهلينا..
والانسان الفطن لا يستسلم للاغراء, ولا يستجيب له.. بل يكون حذرا بعيد النظر حريصا علي نفسه ان يدمرها وهو لا يملك سواها.
ان معظم ما يقع فيه الناس يكون نتيجة ابتلاع الطعم.. ايا ما كان هذا الطعم وعلي اي صورة من صوره.. والتدقيق في الامر كان كفيلا بدرء المخاطر وتجنب المهالك.. اما الاندفاع غير المحسوب فهو الهلاك بعينه.. ويحضرني في هذا السياق خبر قرأته مؤخرا في احدي الصحف الاسبوعية ان جامعية حديثة التخرج كانت تأكل في احدي الكافيتريات حين اقترب منها شابان وتحدثا اليها واعطاها احدهما رقم تليفونه لتتصل به وللاسف فعلت وتم الاتفاق بينهما علي ان تقابله في اليوم التالي في مسكنه لقضاء ساعة واحدة لقاء مبلغ200 جنيه(!). وذهبت في الموعد المحدد. وحسب الخبر, فإنها ـ بطبيعة الحال ـ لم تكن تعلم ان الشقة مشبوهة وموضوعة تحت المراقبة, ولدي رجال مباحث الآداب اذن مسبق من النيابة لمداهمتها في اي لحظة وضبط المتهمين في حالة تلبس.. وما كادت تدخل حتي داهمت قوة من مباحث الآداب الشقة.. وتقول الجريدة ان سوء حظها جعلها تكون موجودة في الشقة المشبوهة عندما هاجمها ضباط مباحث الآداب.. وفي مديرية الامن وقفت الشابة ذاهلة لا تصدق ما حدث لها وتتمني لو ان ما تمر به كان كابوسا سرعان ما تفوق منه لتعود الي حياتها العادية(!)
اما ان حظها العاثر اوقعها, فنحن ننسب عادة الي الحظ ما نوقع انفسنا فيه, ولو كانت الفتاة قد فكرت في الامر مليا لما وقعت فيما وقعت فيه.. ربما زين لها الشيطان انها في حاجة الي هذا المبلغ وانه لن يحدث لها مكروه.. نعم كان يمكن ان تعدي هذه المرة علي خير.. ولكن ذلك كان سيغريها بتكرار ما فعلت او ما انساقت اليه, وكانت اقدامها ستغوص في هذا المستنقع وكان هذا سيكون مصيرها في مرة قادمة.. ما فائدة هذه النقود التي كانت ستحصل عليها نظير تلك الساعة ازاء ما خسرته من شرفها ومن احترامها لنفسها.. ومن مستقبلها؟!.
الشاب الذي يغريه قرناء السوء ان يشم لكي ينجلي مزاجه ويشعر انه فوق السحاب هذا الشاب سوف يسقط من عل, وترتطم ضلوعه بالارض ويصبح مع الوقت كائنا لا فائدة فيه ولا خير يرجي منه.. سوف يتحول الي حطام انسان.. لو ان مثل هذا الشاب نظر الي بعيد وتبين ما هو مقدم عليه وعواقبه لما وقع في الفخ ولحافظ علي نفسه ومستقبله وكيانه.. قد يكون الطعم حلوا في البداية ولكنه سيكون مرا علقما بعد وقت لن يطول.. وهنا يأتي في هذا السياق شطر بيت من الشعر يقول قدر لرجلك قبل الخطو موقعها.. اي لابد للانسان ان يعرف هو رايح فين قبل ان يخطو في اي اتجاه, ولا يندفع قبل ان يتبين ما هو مقدم عليه وعواقبه وتبعاته..
المصدر
مجلة
البلاغ
المفضلات