تابــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة النور
ولنلق نظرة على حقائق ومعاني هذه الآيات:
الوعد لمن آمنوا وعملوا الصالحات:
قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ): الوعد صادر من عند الله للمؤمنين، وبما أنه وعد من الله، فهو حق وصدق، لأن الله منجز وعده، ولا بد أن ننظر إلى وعود الله بهذا المنظار الإيماني.
ووعد الله موجّه للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهذا تخصيص للموعودين، فالموعودون ليسوا المسلمين على العموم، لأن هناك مسلمون لا يلتزمون بالإسلام التزاماً صادقاً، وبعضهم ليس لهم من الإسلام إلا اسمه، وهؤلاء ليسوا موعودين بهذا الوعد!.
الموعودون هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات: فالإيمان تصديق وثقة، ويقين وطمأنينة، والعمل الصالح ثمرة ونتيجة للإيمان، لأن الإيمان إذا استقر في القلب، فإنه يسارع إلى إثبات نفسه في الخارج، في صورة عمل صالح، أي أن هذا الإيمان يؤثر في المؤمن، وينظم له حياته، ويوجه له تصرفاته وأعماله، ويطالبه أن يكون كل ما يصدر عنه من أقوال وأعمال، متوافقاً مع توجيهات الإيمان وحقائقه!.
والعمل الصالح هو العمل الطيب، المتوافق مع شرع الله، والملتزم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يتوجه به المؤمن إلى الله، مخلصاً له.
و(الصَّالِحَاتِ) جمع مؤنث، وهذا الجمع يدل على كثرة أصناف وأنواع ومظاهر هذه الأعمال وتنوعها.. بحيث تشمل كل نشاط يصدر عن المسلم الصالح، وكل مجال صالح في حياة المسلمين!.
الوعود باستخلاف المؤمنين في الأرض:
قوله تعالى: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ):
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثلاثة أشياء: أن يستخلفهم في الأرض، وأن يمكن لهم دينهم، وأن يبدلهم بعد الخوف أمناً.
تخبر هذه الجملة من الآية عن الوعد الأول، فالله سيستخلف المؤمنين الصالحين في الأرض، كما استخلف المؤمنين الذين من قبلهم.
وقد أكد فعل (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم) بمؤكدين: لام القسم، ونون التوكيد الثقيلة، وذلك لتأكيد هذه الحقيقة وتقريرها، ليزداد يقين المؤمنين بها.
وقد شاء الله أن يستخلف الإنسان في الأرض، وأن يجعل الأجيال خلائف. قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) [الأنعام: 165].
والاستخلاف في الأرض إنما هو لعباد الله الصالحين، لأن الاستخلاف قائم على تعمير الأرض وإصلاحها، ونشر الخير فيها، وإحسان استخراج كنوزها وبركاتها، وهذا لن يتحقق إلا بالإيمان والعمل الصالح، والسير في الأرض على أساس شرع الله ومنهاجه.
وقد استخلف الله المؤمنين السابقين، أتباع الأنبياء والرسل، ولذلك بشّر موسى عليه السلام بني إسرائيل بالاستخلاف. قال تعالى: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 129].
ووعد الله المسلمين أن يستخلفهم في الأرض، كما استخلف المؤمنين الذين من قبلهم فيها. فأتباع النبي نوح عليه السلام كانوا خلفاء، وأتباع النبي هود عليه السلام كانوا خلفاء، ومؤمنو بني إسرائيل كانوا خلفاء، والمؤمنون أتباع عيسى عليه السلام كانوا خلفاء، وختمت الخلافة بهذه الأمة المهتدية، الشاهدة على الأمم، وستبقى الخلافة بهذه الأمة حتى قيام الساعة، لأن الله خصها بالمنهج الصحيح.
والخلفاء متتابعون في هذه الأمة، على طول تاريخها، منذ الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم إلى أيامنا، وأصبحت أفضل بقاع الأرض بلاداً لهذه الأمة من الفلبين وأندونيسية في أقصى المشرق، إلى المحيط الأطلسي في أقصى المغرب، ومن أواسط روسية في الشمال إلى أواسط إفريقية في الجنوب.. وأصبحت هذه البلاد أرضاً إسلامية، استقر بها الإسلام، وأشرق منها نور الإيمان.
وستبقى هذه البلاد أرضاً إسلامية حتى قيام الساعة، لأن الله الحكيم وعد بذلك، ووعده حق وصدق.
الوعد بالتمكين للدين:
قوله تعالى: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ).
هذا هو الوعد الثاني للمؤمنين الصالحين، وهو مبني على الوعد الأول باستخلافهم في الأرض. وقد أُكِّد هذا الوعد أيضاً بالمؤكدين السابقين: لام القسم، ونون التوكيد الثقيلة.
الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لهذه الأمة. قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3].
والتمكين للإسلام بإظهاره واستقراره، ونشر أنواره، وقد ثبّت الله الإسلام في الأرض، وعجز الكافرون عن القضاء عليه، رغم استمرار محاولاتهم، واختلاف وتنوع أسلحتهم، عجز العرب المشركون عن ذلك قبل الهجرة، وعجز اليهود والمنافقون عن ذلك بعد الهجرة، وعجز الفرس والروم عن ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، وعجز الصليبيون والتتار والهندوس من بعدهم، وسيعجز التحالف الصليبي اليهودي المعاصر عن ذلك، وسيعجز الكفار القادمون في القرون القادمة عن ذلك، وسيبقى جميع الكفار عاجزين حتى قيام الساعة.
مكّن الله الإسلام في الأرض، وصار كالشجرة الطيبة القوية الثابتة، أصلها ثابت وفرعها في السماء. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) [إبراهيم: 24-25].
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات