لا أدّعي أنني أفقه الكثير في التاريخ الإسلامي ولا في فقهه،لكنني أجد نفسي مُستفَزًّا من قِبَل ثُلّة من الحذّاق والمتحذلقين الذين يحشرون،متى ما وجدوا حاجةً لذلك،الدِّين ليوظِّفوه توظيفًا خاطئًا لخدمة مآربهم،فها نحن نجد من كان يُسَوِّق لمفاهيم ونصوص مغلوطة تدعو إلى الاستكانة والاستسلام للطغيان ولا شكّ أنها موضوعة ومدسوسة منذ قرونٍ خلت لخدمة القهر والاستبداد، مثل الحديث الذي نُسب لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم وحاشا لرسول الله أن ينطق بذلك: " تسمع وتطيع للأمير وإن ضُرب ظهرك وأُخذ مالك فاسمع وأطع" ،ومن يستشهد بالنص القرآني: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "،ناسيًا أومتناسيًا أن الله سبحانه وتعالى قال (منكم)وليس (فيكم) وشتَّان بينهما، ها نحن نجدهم بعد أن قُضِيَ الأمر ونصر الله المضطهدين يفعلون الشيء نفسه لكن هذه المرة للحصول على صك البراءة والغفران و "عفا الله عمَّا سلف" ؟!. يستندون لأنَّ: " الإسلام يَجُبُّ ما قبله "، ويستشهدون بكل وقاحة وصفاقة بأنَّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسَلَّم قال لقريش حين فتح مكة:" اذهبوا فأنتم الطلقاء " وهو حديثٌ شكّك فيه العلماء ومنهم الشيخ الألباني وبيّنوا ضعفه،وإن لا نختلف في صِحّة الصفح عن قريش.
أجد أن المقارنة والاستشهاد بذلك لفرض فكرة(تَجاوز الماضي في الحاضر من أجل المستقبل)!! يستفز العقل ويثير الحنق والاشمئزاز من هكذا مقارنات ومحاولات النجاة بالنفس، فكيف لهم أن يستدلّوا بحدثٍ يحدث مرة واحدة في عمر الكون أتى من خاتم الأنبياء والمرسلين بأمر الله تعالى وبحكمة ظاهرة ويسقطوا هذا الحدث التاريخي لتبرير جرائم فعلوها بأيديهم ويعلمون أنها خاطئة ومناوئة لشرع الله من سرقات ونهب واعتداءات وانتهاكات لحقوق عباد الله، ولو صَحَّ ما يدعون إليه فإنه سيكون تصريحًا أبديًّا بممارسة الفساد والظُّلم بأنواعه وفي كل مرّة سنجد أمامنا " عفا الله عمَّا سبق " وغيرها من الأقوال المشابهة،وهكذا دواليك،أتستقيم الحياة هكذا؟!. لا تستخِفّوا بعقولنا فلا مناص من الحساب والعقاب ورد المظالم.
أقول لأزلام النظام السابق أن لا تحاولوا سرقة الثورة من الثكالى والأرامل واليتامى والمكلومين ومن الثوار الشجعان وعموم الشعب الذي ظلّ ينتظر قدومها لعقود،صحيح أنّ الشعب الليبي طيِّب ومتسامح لكنّه لن يسمح لكم بأن تسرقوه ثورته كما سرقتم ثروته من قبل،وأنه سيضطر إلى الرد بعنف إن تحالفتم ووقفتم في طريق محاسبتكم بالوسائل القانونية.
أُتابع جُل ما يُذاع في محطات فضائية أقل ما يُقال فيها أنها مشبوهة،ولفت نظري محاولات تلميع وتنظيف سيرة بعض الشخصيات أو الجماعات المعروفة والمحسوبة على النظام الزائل، مدعومة بسطوة المال الذي نعلم أن جُل من اكتسبه زمن النظام البائد هم من السفلة والرعاع وبوسائل قذرة،دنيئة ومُذِلَّة لا تخفى على أحد، لكن أن يُستخدم ذلك المال ونفوذه جسرًا يعبر عليه من يطمح لأن يمسك برقابنا من جديد فهذا استخفاف بعقل هذا الشعب وقفز على تضحياته وقراءة خاطئة للواقع،أُحذِّر من يقوم به من عواقبه الوخيمة عليه.
الدعوة لتأجيل تطهير جهاز الدولة من أزلام وتنابلة النظام السابق بحجة أن هذا الوقت غير مناسب هي حُجَّة لا نريدها أن تنطلي (أو تُفرض) على مجلسنا الانتقالي،فأنا كمواطن رأيتُ كما رأى غيري (كُلٌ في نطاق عمله) أنّ رموز النظام الفاسد يتصدّرون الواجهات وبكل صفاقة يلعنونه في محاولة يبدو للأسف أنها ستُمرَّر للتنصل منه،فها هم يتآزرون و(يتنادون)!،ويُثَبِّت من (انشقَّ)؟!منهم غيره من رفاق) (مثابة) الأمس،وأخشى أن ينتهي بنا الأمر لا قدّر الله إلى ما يوافق المثل الشعبي:"وكأنّك يا بوزيد ما غزيت".
أ.د خالد المبروك الناجح*
المفضلات