رؤيتان في حرية الصحافة، يتراوح حولها جدل تاريخي، يتكرر في كل مكان، الرؤية الأولى ترى أن الحرية يجب أن تكون مقيدة ومنضبطة بموجب القوانين التي تضع في اعتبارها مصالح المجتمع، والرؤية الثانية هي أن الصحافة يجب أن تكون حرة بالمطلق، وأن الحرية كفيلة بتنظيم نفسها، ووضع الحدود الخاصة بها.
لا ينكر أحد أن وجود الإعلام الإلكتروني والشبكات الاجتماعية ساهم بصورة جوهرية في إعادة تعريف الحريات الإعلامية والشخصية فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي، ولكنه أعاد من جديد، وبقوة، السؤال حول قواعد اللعبة وحدودها.
تخشى الأسرة الإعلامية ممن يناط بهم وضع القوانين، وهم في النهاية، على الرغم من تمثيلهم للمواطنين ككل، إلا أنهم أصحاب مصالح خاصة أيضا، وإلى حد ما فإنهم يضعون القوانين بما يخدم هذه المصالح، وأحيانا لا يقومون بدورهم في قيادة المجتمع، بمعنى الارتقاء به، وإنما ينساقون وراء القوى المحافظة التي تشكل قوة انتخابية معتبرة، وبالتالي فإن المشرعين لا يمكنهم أن يضطلعوا بقضية الحرية من حيث المبدأ، لأنها إلى حد ما تحمل العديد من المشكلات، وخاصة في بلد مثل الأردن.
الحرية المطلقة أسطورة، وهي في النهاية محصلة للقوى السياسية والحراك الاجتماعي، فجميع دول العالم في مرحلة الطوارئ تضع لنفسها الجرعة التي تناسبها من الحرية، ولو كانت بريطانيا على حدود بلد مثل اسرائيل، لخسفت سقف الحرية بالأرض، وكانت كذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، حين وزعت اتهامات النازية والفاشية على مجموعة من العاملين السياسيين، مع أنهم كانوا أعضاء في حركات وأحزاب مرخصة ولم تمكنهم حتى من الدفاع عن أنفسهم، ونفس الشيء في الولايات المتحدة في مرحلة الحرب الباردة.
الحياد، أسطورة أخرى، فالإعلامي أولا معني بقضية التنمية وتعزيز القيم الإيجابية لدى مجتمعه، الكبير، الممثل في مواطنيه ككل، أو أحيانا، كما يحدث في بلد مثل لبنان، مهتم بالدفاع عن مصالح طائفته، ومهما بلغت قدرته على التسامي عن الصغائر والصراعات فإنه يبقى أسيرا لتعاطفه مع هذا المجتمع الصغير الذي ينتمي له.
التفكير خارج الصندوق، وقراءة تفاصيل الحالة الأردنية، يتطلب أن تكون ثمة مرجعية للفصل في التجاوزات على مستوى الحرية، أو التحيز المفرط، ولعل أبناء المهنة الصحفية الذين تخيرهم «الصحفيين» لقيادة نقابتهم هم المؤهلين فعليا لذلك، من خلال لجنتهم القائمة لتلك الغاية أو من خلال لجنة جديدة، والعبرة ليست في وجود اللجنة، وإنما في تفعيل دورها ومنحها الصلاحيات والاعتداد برأيها في الحالات القانونية.
وجود اللجنة، أو مجلس الحكماء كما يمكن تسميته، يتطلب أن تعيد النقابة النظر في أسس عضويتها، وأن توسع قاعدتها بحيث أن تستوعب العاملين فعلا في المجال الإعلامي، ولو توسعت النقابة لتضع في إطارها الصحفي العامل، والملتزم بقوانينها وأدبياتها، فإنه يمكن بالتالي نبذ الصحفي صاحب المصالح والأجندات الخاصة، أو ما يمكن وصفه بالمخرب، فوقتها يمكن أن يكون العمل باليوميات والأسبوعيات والمجلات والمواقع مرتبطا فعليا بعضوية النقابة أو تصريح منها، ويمنح هذا التصريح لكتاب الأعمدة والمقالات غير الممتهنين للصحافة.
حجم المعلومات والآراء الهائل عبر جميع الطرق، يجعل من دور الإعلامي ليس الركض وراء الخبر أو التنقيب في الأسرار، فكل شيء مكشوف ومتاح، المهم هو القدرة على التنظيم والترشيد والوصول إلى معنى يلخص ذلك.
سامح المحاريق
المفضلات