"الأمة التي لا تحترم علماءها أمة هالكة لا قيمة لها ولا تحترم نفسها"
عن الشيخ نوح القضاة: تواضع العلماء أمام غرور الدنيا!
كتب الأكاديمي الأردني يوسف ربابعة مقالا في الزميلة "الغد" بعنوان " عن الشيخ نوح القضاة: تواضع العلماء أمام غرور الدنيا!"، فيما يلي نصه:
كم يتعبنا الحديث عن الأشخاص لأنه ربما يدخل في باب المدح والذم والنفاق، لكننا أحيانا نضطر للكتابة رغم أن شخصا بقدر ومقدار الشيخ نوح لا يفي مثلي بحق مثله، وليست الكلمات سوى تعبيرعن تقصير نمارسه تجاه علمائنا، فليت الحروف تنبض صادقة بحقهم.
في هذا الوقت أكتب عن الشيخ نوح القضاة وهو يرقد على سرير الشفاء في المدينة الطبية، ونحن في مثل هذا الحال نرجو له الشفاء، ونستذكر عالما جليلا واستثنائيا في الوقت ذاته، وربما لو كان عند غيرنا لاحتفلوا به ولكان مرجعا دينيا لا يقضى أمر من دونه، لكن بعض الأفذاذ تظلمهم الجغرافيا، ونحن في الأردن معروف عنا أننا لا نحتفي بالكبار، بل لا نحترم كبارنا، مع أن فينا من يستحق فوق ما يستحقه البقية ممن تضرب لهم أكباد الأبل، ولكن حسب شيخنا أن الذين يعرفونه يشهدون له بالزهد والورع والتواضع، وفوق ذلك الثبات على الحق وعدم المهادنة فيما يخص الدين والحق، ولذا نجده كلما شعر بشبهة حرام حتى لو كانت صغيرة ينسحب ويقول رأيه دون مواربة، والأمثلة على ذلك كثيرة، وهو في العادة لا يحب الصدام والمواجهة.
في كل المواقع التي تسلمها الشيخ كان مثالا للصدق والأمانة، فمنذ بدايات حياته العملية مفتيا في القوات المسلحة الأردنية العام 1972، وعندما تسلم قيادة الإفتاء عمل على أن يكون في كل وحدة عسكرية إماما مقيما، ويعود الفضل له في حفاظه على الاتزان في التدين وفي طرح القضايا الفقهية واحترام الرأي الآخر، مما شكل مدرسة حافظت على اتزان المجتمع بعيدا عن الغلو والتطرف، وكانت فتاواه ومواقفه تنم عن شخصية ثابتة لا تنحني أمام الظروف والإغراءات على كثرتها وبهرجتها، كما قام بتأسيس كلية الأمير الحسن للدراسات الإسلامية التي تخرج الأئمة الذين يوزعون على الوحدات العسكرية المختلفة.
وبعد أن حصل على رتبة لواء في القوات المسلحة، تم تعيينه قاضيا للقضاة إلا أنه لم يدم طويلا في منصبه، وذلك لأنه لموقف الخاص من عملية السلام، وهو موقف مبني على رؤية شرعية في تعريف العدو المحتل والصلح معه، ولذا فقد آثر أن يترك منصبه ويبتعد عن الموقع الرسمي ليكون أقدر على إصدار فتواه التي يقتنع بها ويرى صدقها؟
وخلال سنوات طويلة من تركه الموقع الرسمي كان يقيم حلقة للعلم في مسجده وفي بيته، يدرّس من خلاله مجموعة من طلبة العلم الشرعي، وبقي كذلك حتى ارتأت الدولة أن ترسله سفيرا إلى إيران، بعد أن أخفق كثير من السفراء في التعامل مع المذهب الشيعي والتقريب بين البلدين، واستطاع بما يملك من رؤية وحكمة وتسامح أن يتعامل مع أصحاب العمائم السوداء ويتخذ موقفا يقرب فيه بين المذاهب على طريقة الاعتدال الإسلامي والأمة الواحدة.
وبعد عودته بسنوات طلبته دولة الإمارات العربية المتحدة لتأسيس دائرة للإفتاء العام فيها، وبعد ذلك طلب إلى الأردن ليتسلم تأسيس دائرة الإفتاء العام في المملكة، حيث قام بتأسيس وحدات إفتاء في كل محافظة وتعيين المفتين والباحثين فيها ليقدموا رؤيتهم للناس وتوضيح الأمور الشرعية الراهنة، وصار للدائرة موقع على الإنترنت ومجلس للإفتاء.
الم
المفضلات