بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
منهج أهل السنة في التلقي والاستدلال
ومن أصول عقيدة السلف الصالح ؛ أهل السنة والجماعة :
في منهج التلقي والاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله- عز وجل - وما صح من سنة نبيه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظاهرا وباطنا ، والتسليم لهما ، قال الله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا }
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « تركت فيكم أمرين ، لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله » صحيح ـ مشكاة المصابيح
وأهل السنة والجماعة :
لا يقولون كتاب الله ثم سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - بل كتاب الله وسنة رسوله معا لأن السنة مقرونة مع كتاب الله ، ولأن الله فرض طاعة رسوله ، وسنته- صلى الله عليه وسلم - مبينة للمعنى الذي أراده الله .
ثم- أهل السنة والجماعة - بعد ذلك يتبعون ما كان عليه الصحابة من المهاجرين والأنصار عموما ، والخلفاء الراشدين خصوصا ، وأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباع الخلفاء الراشدين خصوصا ؛ ثم يتبعون الذين يلونهم من القرون المفضلة الأولى ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ؛ تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » . صحيح ـ سنن ابي داود
وعلى ذلك فإن مرجع أهل السنة عند التنازع ؛ هو كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرجع أهل السنة والجماعة في فهم الكتاب والسنة ، ولا يعارض شيء عندهم من الكتاب أو السنة الصحيحة ؛ بقياس ، ولا ذوق ، ولا كشف ، ولا قول شيخ ، ولا إمام ؛ لأن الدين قد اكتمل في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }
وأهل السنة والجماعة :
لا يقدمون على كلام الله ، وكلام رسوله- صلى الله عليه وسلم - كلام أحد من الناس ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم }
ويعلمون بأن التقدم بين يدي الله ورسوله من القول على الله بغير علم ، وهو من تزيين الشيطان .
والعقل الصريح عندهم يوافق النقل الصحيح ، وعند الإشكال يقدمون النقل ولا إشكال ؛ لأن النقل لا يأتي بما يستحيل على العقل أن يتقبله ، وإنما يأتي بما تحار فيه العقول ، والعقل يصدق النقل في كل ما أخبر به ولا عكس .
ولا يقللون من شأن العقل ؛ فهو مناط التكليف عندهم ، ولكن يقولون : إن العقل لا يتقدم على الشرع- وإلا لاستغنى الخلق عن الرسل- ولكن يعمل داخل دائرته ، ولهذا سموا أهل السنة لاستمساكهم واتباعهم وتسليمهم المطلق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى : { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين }
وأهل السنة والجماعة :
يأخذون بعد الكتاب والسنة بما أجمع عليه علماء الأمة ، ويعتمدون عليه ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار » صحيح ـ سنن الترمذي
فهذه الأمة معصومة من الاجتماع على باطل ، ولا يمكن أن تجمع على ترك الحق .
ولا يعتقدون العصمة لأحد غير رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ويرون الاجتهاد فيما خفي من الأمر بقدر الضرورة ، ومع هذا لا يتعصبون لرأي أحد حتى يكون كلامه موافقا للكتاب والسنة ، ويعتقدون أن المجتهد يخطئ ويصيب ؛ فإن أصاب فله أجران : أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد فقط ؛ فالاختلاف عندهم في المسائل الاجتهادية ، لا يوجب العداوة ولا التهاجر بل يحب بعضهم بعضا ، ويوالي بعضهم بعضا ، ويصلي بعضهم خلف بعض ، مع اختلافهم في بعض المسائل الفرعية .
ولا يلزمون أحدا من المسلمين التقيد بمذهب فقيه معين ، ولكن لا يرون أيضا بأسا بذلك إذا كان اتباعا لا تقليدا ، وعلى المسلم أن ينتقل من مذهب إلي آخر لقوة الدليل ، وطالب العلم إذا كانت عنده أهلية يستطيع أن يعرف بها أدلة الأئمة عليه أن يعمل بها ، وينتقل من مذهب إمام في مسألة إلى مذهب إمام آخر ، أقوى دليلا وأرجح فقها في مسألة أخرى ، ولا يجوز له الأخذ بقول أحد دون أن يعرف دليله ؛ لأنه يصبح بذلك مقلدا ، وعليه أن يبذل ما يستطيعه من النظر في الاختلاف حتى يترجح لديه شيء ، فإن لم يمكنه الترجيح ، يصبح حكمه حكم العامي ؛ فيسأل أهل العلم .
وأن العامي الذي لا يحسن النظر في الدليل فلا مذهب له بل مذهبه مذهب مفتيه ؛ فالواجب عليه أن يسأل أهل العلم بالكتاب والسنة ، قال الله تبارك وتعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .
وأهل السنة والجماعة : يقولون إن الفقه في الدين لا يتم ولا يستقيم إلا بالعلم والعمل معا ؛ فمن حصل علما كثيرا ولم يعمل به أو لم يهتد بهدي النبي- صلى الله عليه وسلم - ولم يعمل بالسنة فليس بفقيه .
الوجيز في عقيدة السلف الصالح ج1 ص123
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
المفضلات