سو ق الصين العظيم
منذ اسابيع رزق ابن شقيقي بطفل جميل سماه ياسين. وحين وصلتني صور ياسين علي الكمبيوتر هزت مشاعري الي الاعماق فقد اكتشفت ان ياسين هو صورة طبق الاصل من ابيه محمود الذي سمي باسم ابي رحمه الله لأنه ولد كثير الشبه به.
وبما انني كنت استعد لزيارة الوطن وامني نفسي برؤية ياسين رؤية عين خرجت الي السوق بحثا عن هدية صغيرة للمولود علما بأنني لا اشارك قطاعا كبيرا من النساء في حب التسوق. ولكن اكراما لعيني ياسين الباسمتين صبرت صبرا جميلا وانا اتنقل من متجر الي متجر واخرج نظارة القراءة من مكمنها لاتمكن من قراءة القياسات بحرص واختيار الالوان ومقارنة الاسعار الي ان اثمر صبري علي ازدحام السوق وكثرة المعروضات عن اختيار طقم جميل بسعر معقول. ولكن قبل ان اهم بالتوجه الي نقطة تسديد الفاتورة عن لي ان أكتشف منشأ الطقم حيث ان الدولة التي اقيم بها هي جزء من الاتحاد الاوروبي وقد يكون ما اخترت فرنسيا او ايطاليا او المانيا. ولكن هيهات.. فعلي بطاقة صغيرة مثبتة داخل الطقم قرأت: صنع في الصين.
الحقيقة هي انني عدت ادراجي واعدت الطقم حيث وجدته رغم معاناتي من الام الساقين والقدمين من جراء المشي البطيء في الاسواق.
خوفا من ان اتهم بالعنصرية اقول انني اعدت الطقم لعلمي بأن البضائع الصينية اغرقت الاسواق العربية الي حد التشبع. واني لو شئت ان اشتري طاقما مصنوعا في الصين لوجدته في بلدي بسعر ارخص بكثير من اسعار لندن.
في القاهرة اكتشفت ان سجادة الصلاة التي تستخدمها الاسرة مصنوعة في الصين واكواب الشاي مصنوعة في الصين والهواتف النقالة مصنوعة في الصين وحتي فانوس رمضان الذي تتوسط قلبه شمعة تضيئ عبر زجاجه الملون صنع في الصين فاصبح مسخا مشوها يعمل بالبطارية وقد تحول زجاجه الي بلاستيك ملون وما ان يتلقفه الطفل حتي تنبعث من قلبه حشرجات مفزعة هي تسجيلات لأغاني رمضانية. اعتراني حر وبرد وخوف مقيم من ان اصحو يوما من نومي وانظر في المرآة الي وجهي فأقرا عبارة مكتوبة علي جبيني تقول: صنع في الصين.
وليست هذه هي نهاية حكايتي اليوم. فقد بلغ السيل الذبي حين قرأت ان بعض الصحف نشرت اعلانا عن زوجات صينيات يبحثن عن ازواج وان تكاليف استيراد العروس لا تزيد علي 1500 جنيه مصري والمعلن مستعد لتوصيل الطلبات الي المنازل.
في اليوم نفسه نزلت كاميرات التليفزيون لاستقصاء آراء الشباب
فقال البعض : وماله... الصينية تكفي في ظل ازمة الزواج وتكاليف الزواج الباهظة لأن الزوجة زوجة سواء كانت صينية او هندية او مصرية.
جلست وحدي اهذي بعبارات مؤداها ان الزوجة ليست حبة طماطم تشتري وتقطع وتخلط في طبق السلاطة وتؤكل بالهناء والشفاء. الزوجة مستودع لقيم وافكار مجتمعية ودينية واخلاقية وهي الام التي تلد وتربي الاولاد .. الزوجة انسان له تاريخ وله ذكريات وله اماني في اليد واخري فوق الشجرة .
تلك الاشياء لا تدخل ضمن الصفقة سواء كان السعر 1500 جينيه او مليون. اذا ظن طالب الزواج انه يدفع الثمن ويشتري زوجة تؤنسه وتعد طعامه وتغسل ثيابه وتلد عياله وكأنها ماكينة لا حول لها ولا قوة الا بضغط الازرار فهو سخيف وغبي وظالم لنفسه ولامرأته ايضا.
ياناس ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم. كفانا استيرادا وتواكلا وكسلا. حين تعتمد علي غيرك في كل ما تحتاج تسلمه زمام امرك وتصبح عبدا يؤمر فيطاع.
المفضلات