مقالات
ابتسامات
يقال إن من أهم الأسباب التي تدفع شركات الطيران للاستعانة بالمضيفات الجويات هو أن المسافر يتعرض لمصاعب عديدة قبل مرحلة ربط حزام الأمان داخل الطائرة، بعض هذه المصاعب مباشر كمشكلات الوداع والفراق، ومتاعب السفر، وبعضها غير مباشر يستشعره في عقله الباطن فقط.
وحتى يستعيد المسافر القلق شيئا من طمأنينته وثقته بنفسه، توصل الخبراء المعنيون إلى أن أفضل وسيلة لذلك، هي أن تستقبله المضيفة الجوية بابتسامة حلوة ومعاملة رقيقة تزيل بهما الكثير من الكدر الذي علق بأعصابه قبل الصعود إلى الطائرة، ويشترط كما يقال – وحتى تكتمل المهمة – أن تتحلى المضيفة بالروح الواثقة، والشخصية القوية، وكل ما يوحي بجمال الملامح الداخلية مع الشكل المقبول القريب من القلب ! ولنهبط من السماء قليلا لنحاول مناقشة مدى صحة الفكرة إذا ما طبقت بشكل عام في حياتنا الاعتيادية هنا على الأرض، بين الموظف والمراجع، وحتى بين الزوج وزوجته! فلو فكر أي موظف بعقلية مضيفة جوية أو مضيف جوي... وتأمل قليلا في ظروف المراجع الذي يقف أمامه، الذي يكون قد ترك عمله ومصدر رزقه، وذاق الأمرين حتى استطاع إيجاد وسيلة المواصلات المناسبة، أو ربما إيجاد مكان لإيقاف سيارته أمام الوزارة أو الدائرة، وبعد هذا يكون قد سئل عند الباب عن اسمه وهويته وسبب زيارته . . فلو راعى أي موظف مثل هذه التفاصيل، سيرى كم سيكون عمله إنسانيا رائعاً إذا استقبل مثل هذا المواطن بروح متعاونة متفهمة وبمشروع ابتسامة على الأقل، إن كنا لا نستطيع أن نطالب هنا بابتسامة رائعة وجاذبية خاصة!
أما بين الزوج وزوجته، فبعيدا عن المواعظ والحكم المستهلكة التي نصدع بها رأي المرأة عادة فيما يخص طقوس الحياة الزوجية والزوج الكريم، فقد أدهشني موقف أحد الأزواج من زوجته في هذا الشأن، إذ قال: كنت أحث زوجتي على إجراء أي تغيير على روتين حياتها المنزلي كالاشتراك في دورة تعليمية قصيرة مثلا، أو المشاركة في عمل تطوعي . . إذ أشفق عليها من رتابة الحياة المنزلية وثقلها، وعليه، فأنا، وإن كنت أفتقد ابتـسـامـتـها ساعة عودتي من العمل، فإني أتفهم الأمر جيدا، وأشعر أني كرجل أكثر حظا منها وأسعد . . فخروجي إلى العمل وإن كان يترتب عليه كما هو معروف الكثير من الضيق والتعب وشد الأعصاب، إلا أنه نوع من التغيير يجعلني أشعر بالحنين إلى دفء البيت وهدوئه . . هذا الهدوء الذي ليس له أي طعم في حياتها، ولم يعد بالنسبة إليها مطلبا أو مصدر راحة! والمرأة، أية امرأة، لا أحسبها تطالب أو تحلم بأكثر من هذا التفهم الجميل، وقد يحثها مثل هذا الفهم على مزيد من العطاء، ومزيد من الابتسامات!
إذن، فما يجري هناك فوق على متن الطائرات . . قد يطبق بشكل أو بآخر هنا على الأرض لنكمل رحلة الحياة الطويلة بأقل قدر من التعب، وبكثير من العلاقات الإنسانية الراقية بأكبر عدد من الابتسامات...
د.لانا مامكغ
المفضلات