بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده .. وبعد :-
علاقتنا نحن العرب بعالم الخيال علاقة وطيدة وقديمة ، وقد ارتبط بالوجدان العربي منذ نشوء فن الشعر- ديوان العرب - في العصر الجاهلي وإلى يومنا .. وقراءة سريعة لأقدم نماذجه والمتمثلة في أشعار( امرؤ القيس) يجدها يغلب عليها(( التصوير )) المعتمد على الخيال..
إذن الخيال عنصر أساس في وجدان المواطن العربي ، بل ويؤثر فيه بشكل كبير في تكوين قيمه وتقرير اتجاهاته.. وخير مثال على ذلك من واقعنا المعاصر القريب (لورانس العرب ) فهذا الرجل أُرسل من قبل الحكومة البريطانية إلى العرب "كشخص غريب غير قادر على التفكير بأفكارهم أو المشاركة بمعتقداتهم" لكنه وبحدة ذكاءه ودهاءه استطاع أن يقرأ الشخصية العربية قراءة متأنية ، و يستفيد من عنصر الخيال لديهم ، والمؤجج بالطموح والعاطفة ضد الأتراك ،وثقتهم المفرطة في الأشخاص ، فاستخدم أسلوب الوعود الوهمية لتحقيق الحلم العربي والتحرر من النفوذ التركي العثماني وإقامة الخلافة العربية الإسلامية أو الدولة العربية الموحدة بعد انتهاء الحرب .. ولم يستيقظ العرب من هذا الحلم إلا بعد خديعة سيكس –بيكو ثم النكبة العربية الكبرى وضياع فلسطين..
ومنذ بدايات القرن الماضي وإلى بدايات هذا القرن لا يزال مداعبة الخيال العربي وعاطفته يستمر.. لكن بطرق مختلفة .. ففي الآونة الأخيرة اجتاح الطوفان التركي خيالات العرب .. ووجدها فارغة .. تعاني من شحٍّ في الخيال ومن جفاف عاطفي ووجداني.. وعن طريق الموجات المتلاحقة للمسلسلات التركية تم إغراق هذا الخيال الفارغ بالحب والصور الرومانسية الجامحة والفاضحة .. بدءاً من مسلسل ( مهند ونور) والذي لوى أعناق العرب للدراما التركية ، ومروراً بالانبهار الذي أحدثه مسلسل ( سنوات الضياع ) ، وليس انتهاءاً برصاصة الرحمة في قلب خيال المشاهد العربي مسلسل ( وتمضي الأيام ) والذي لوع فيه " أسمر " قلوب فتياتنا وخيالاتهن ..
قصة الخيال مع العرب قصة عجيبة أشبه بقصص ألف ليلة وليلة " دراما لا تنتهي " .. فعن طريق الخيال استطاع " لورانس " أن يخرج الأتراك من ديارنا ، وعن طريق الخيال أيضاً استطاع الأتراك أن يعودوا مرة أخرى إلى ديارنا ويغزون أفكارنا وخيالاتنا في عقر دارنا وحتى في غرف نومنا ..
وتمضي الأيام ومع كل نوع من أنواع الخيال سيظهر هناك في الأفق القريب أو البعيد من يجيد العزف على أوتاره ويتسلل إلى الوجدان العربي من خلاله ..ويسوقهم بخيالات ضائعة فوق أحلام هي عطشى للواقع ..
للجميع أرق تحية
قلم
أبو يامن
خالد البلوي
السبت 3 / 7 / 2010
المفضلات