المرايا المُحدّبة بقلم : الدكتور محمود سليم هياجنه
لعلّ أول الأسئلة ورودا في ذهن القارئ ، بعد أن كيّف الكاتب عنوان مقالته ، بالمرايا المحدبة ، هو : هل للمرايا لغة - سواء كانت المرايا مستوية أو محدبة أو مقعرة – تستطيع أن تنسرب وهي تحافظ على خصوصية كينونتها ، في تكوين نص يمكن قراءته ، بحيث يمكن أن تعلن عن حضورها على نحو صائت يمكن للكاتب تحقيقه ؟
ولكي ينجلي الأمر ، لا بدّ للمرء من الوقوف أمام المرآة ، ثم ينظر في عمقها ، فماذا يرى ؟ ماذا يرى أيها السادة؟ مما لا شك فيه ، أن الخطابات – أيا كانت الخطابات – في جوهرها بنية لغوية ، وعلاقات تشكيلية ، ورؤية مجازية ، لا يصح مقاربتها عما هو خارج عن سياقها ،وتقويمها بعيدا عن وسيلتها الأساسية ، بل ينبغي البحث في واقع البنية لاكتشاف أسرارها وفهم علاقاتها واستجلاء قوانينها .
لا جرم أن لكل مرآة خصوصية ،تنماز بها عن غيرها من المرايا ، فالمرآة المستوية تريك الأشياء على ما هي عليه ، بينما المرآة المحدبة تريك الأشياء مضخمة ومكبرة ، أما المرآة المقعرة ، فهي التي تريك الأشياء مصغرة مسحوقة ، ومن هنا يمكن الإدلاج بالحجة ، التي يجب أن تجد مرتكزا لها في الواقع المعيش ، ودليلا يستمد قوّته من الحقيقة .، وعلى أساس معطيات علم المرايا ، فإن النظر في المرآة ثلاثة أنواع : الأول ، النظر إلى سطح المرآة ، وهو نظر لا يريك سوى السطح ، والثاني : النظر في عمق المرآة ، وهو نظر يريك الأشياء أو يريك نفسك ، والثالث : وهو النظر من خلف المرآة ، وهو نظر إلى الطلاء ، نظر القتمة .
إن إشكالية هذه المقاربة تتحدد في تحليل الأثر الذي يتركه صوت الخطابات المنتجة بمدلولاتها وخصوصيات تعبيرها في لغة المرايا المحدبة ، بما يعنيه الخطاب المنتج من سعة ، والناس متغايرون فمنهم من يرى نفسه في مرآة مستوية وبهذا فهو يرى نفسه على حقيقتها ، ومنهم من يرى نفسه في مرآة محدبة ، وهو بهذا يرى نفسه ضخما ، ومنهم من يرى نفسه بمرآة مقعرة ، وهو بهذا يرى نفسه صغيرا ، إلا أن ما يمكن لفت الانتباه إليه ، هو أن الإنسان بحد ذاته مرآة لغيره ، ولعل ما أومأت إليه هو محط الرحال ومربط الفرس ، فقد يصل الإنسان إلى حقيقة نفسه من خلال نظرة الناس إليه وتقييمهم له ، فإذا ما كان التقييم موضوعيا ، وجد صورة حقيقية لنفسه ، وإذا ما ضخموه وهو غير ذلك ، رأى صورة لنفسه مغايرة للحقيقة ، ولكنه يغتر ويظن أنه ضخم كالجمل أو الفيل ، ومهما ادعى الإنسان المغايرة ، لا يمكنه التعرف إلى نفسه إلا عبر غيره ، فغيره مرآة ذاته ، والاختلاف يخلق المعاني ، لأن الأشياء عندما تتشابه تفقد دلالاتها ، وبهذا فالإنسان مؤتمنٌ في نقل الصورة الصحيحة لأخيه الإنسان ، ولقد رُوي في الأثر: إن المؤمن مرآة أخيه المؤمن ، وسياسة القرينة في العربية شريعة من شرائع الألفاظ ، وإذا ما انتقلنا من التلميح إلى التصريح ، فنحن أمام بعض من وقف أمام مرايا محدبة زادت من أحجامهم وضخمتها ، وحينما طالت وقفتهم ، أمام تلك المرايا ، صدّقوا في نهاية الأمر أنهم وإنجازاتهم بهذا الحجم المتضخم ، والأمر على غير ذلك ، بل نجد من ضخموهم قد نفروا منهم نفور المعزى من وعوعة الأسد .
ومنهم من قال : إليك عني إليك عني ........................... فلستُ منك ولستَ مني
يقول الله تعالى في محكم الكتاب : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وإننا الآن في زمان أحوج ما نكون فيه إلى التذكر ، لا شك أن عقد المقايسة أو المقارنة بين الماضي والحاضر والموازنة بين المقدمات والنتائج ، أوضح طريق للتوصل إلى الحقيقة التي يلذ كثير من الناس في التعامي عنها ، وما نكست أمة توصلت إلى اكتشاف النتائج بتذكر مقدماتها ، والعلم بأسبابها ، والآن بعد أن حصحص الحق وفضح الصبح فحمة الدجى ، أدعوا القارئ الفاضل الى الرجوع الى الماضي القريب ثم يحث ذاكرته في مزاعم بعض من زعم أو من أوعد أو من أوردك البحر أو أو أو الخ ، فهل ابدى الزبد عن المخاض ؟ وهل أمطر بعدما أرعد وهل سقى بعدما أسال
إن كنت تدري فتلك مصيبة ..................... وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
الدنيا دار العجائب ومن أخطر عجائبها وقوع ما كنت تحذر منه ، وحدوث ما لم يخطر ببالك .
والله أسأل أن يلهمنا الهداية والرشاد ، والتوفيق والسداد ، أن يمدنا العصمة من الزلل والصون من الخطل إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير .
المفضلات