"شهيد المدونين" المسمار الأخير في نعش "قانون الطوارئ" المصري.. والدته لـ"الحقيقة الدولية": ابني قتل بسبب شريط فيديو
صورة وزعت تبين خالد سعيد بعد موته في إحدى مراكز الشرطة
الحقيقة الدولية – القاهرة – مصطفى عمارة
أعادت قضية مقتل المدون المصري خالد محمد سعيد في أحد مراكز الأمن المصرية في محافظة الإسكندرية، الأنظار من جديد إلى واقع السجون المصرية وحالات التعذيب التي تمارس في مراكز الشرطة، التي ترتكز على قانون الطوارئ المعمول به منذ عدة عقود.
فلم تحظ قضية فردية في مصر بمثل ما حظيت به قضية الشاب خالد سعيد، التي أصبحت عنوانا لانتهاك حقوق الإنسان المصري على أيدي رجال الشرطة بل. وربما تكون تلك القضية نقطة فارقة نحو انتفاضة الشعب المصري للمطالبة بحريته.
ورغم أن فصول تلك القضية الدرامية بدأت بذهاب هذا الشاب إلى مقهى للانترنت لممارسة هوايته كمعظم الشباب المصريين الذين يعانون من الفراغ نتيجة البطالة وانعدام فرص العمل، إلا أن فصول تلك القصة تحولت إلى مأساة حقيقية عندما داهم عدد من الضباط والمخبرين المقهى بحسب ما تروي أسرته وعدد من شهود العيان وقام بعضهم بتفتيش المتواجدين بالمقهى وعندما اعترض المجني عليه على الطريقة التي تحدث بها احد المخبرين معه ومحاولة تفتيشه قام احدهم بصفعه على وجهه واجتمعوا حوله ثم سحلوه إلى مدخل عقار مجاور للمقهى وانهالوا عليه بالضرب وضربوا رأسه بالرخام الموجود بمدخل العمارة.
ويبدو أن القضية لم تتوقف، مثل العديد من القضايا، في إطار الداخل المصري، بل تعدت ذلك إلى مطالبة بعض المنظمات الدولية بأجراء تحقيق شامل للوقوف على مقتل سعيد، وبات سعيد رمزا وطنيا لـ "المدونين" المصريين وشهيد "الطوارئ" نسبة لقانون الطوارئ المعمول به حاليا في مصر.
فقد طالبت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية بإجراء تحقيق فوري ومستقل في مقتل سعيد على أيدي قوات الشرطة المصرية.
وكان سعيد لقي مصرعه جراء التعذيب على أيدي قوات الشرطة في السادس من حزيران الماضي، ونشرت المدونات والمواقع الإخبارية والصحف صورا له وهو مهشم الفكين ومتدلي الشفاه وتظهر عليه آثار ضرب مبرح.
وقالت منظمة العفو الدولية إن "الصور المرعبة دليل صادم على الانتهاكات الجارية في مصر والتي تأتي في تناقض واضح مع الصورة التي يروج لها المسؤولون المصريون لدى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتعنتهم في الاعتراف ببعض الانتهاكات الصغيرة".
وتابع البيان أن "هذه الصور هي إشارة نادرة ومباشرة للاستخدام الروتيني للقوة الوحشية من قبل قوات الأمن المصرية، التي تتوقع أن تعمل في مناخ من عدم المساءلة، والحصانة".
وأضافت "امنستي" أنها تدعو إلى تحقيق يجري على أساس المعايير الدولية، مثل معايير ومبادئ الأمم المتحدة.
وأكدت المنظمة أن "قانون الطوارئ يوفر المظلة لانتهاكات قوات الأمن الروتينية التي نادرا ما تتم المعاقبة عليها، وأضافت أن المسؤولين المصريين يقدمون للعدالة في مناسبات قليلة للغاية".
وكان خالد سعيد، وفق بيان الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في مقهى إنترنت في حي "كليوباترا" التابع لقسم شرطة "محرم بك" بالإسكندرية حين دخل بعض المخبرين المقهى وبدأوا بتفتيش رواده بغلظة وخشونة.
وحين أبدى خالد اعتراضه على المعاملة المهينة، بدأوا بسبه وضربه بعنف، وحين سقط مغشياً عليه، اصطحبوه إلى مقر قسم الشرطة، ثم عادوا به بعد دقائق، وألقوا بجثته أمام المقهى، بعد أن تكسرت جمجمته وعظام رأسه وتوفي على الفور.
وزارة الداخلية المصرية قالت إن "وفاة خالد سعيد جاءت بعد تعاطيه لفافة مخدرة" مؤكدة أن "الوفاة نتيجة الخنق بسبب انسداد القصبة الهوائية باللفافة التي حاول ابتلاعها".
وأضاف بيان الداخلية أن (قتيل الإسكندرية) كان مطلوباً لتنفيذ حكمين بالحبس صادرين في قضيتي سرقة، والأخرى لحيازة سلاح أبيض، وأنه سبق ضبطه في أربع قضايا سرقات وحيازة سلاح.
وتقول المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن "التعذيب بات أمرا شائعا داخل أقسام الشرطة والسجون في مصر وان بعض حالات التعذيب تقع وسط الشارع وفي وضح النهار وفي منازل المواطنين "في انتهاك واضح لكرامتهم وحريتهم المكفولة بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان".
وتحول سعيد الذي يعتقد أن الشرطة ضربته حتى الموت في الإسكندرية قبل أيام إلى رمز لعنف قوى الأمن تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان المصريين، بفضل بعض وسائل الإعلام.
ورفع ناشطون في تظاهرات لافتات تحمل صور الشاب قبل مقتله، فيما تم تداول صور فظيعة على الانترنت لوجه جثة هامدة مثخن بالجروح نتيجة التعرض للضرب المبرح.
وفتحت صفحات في ذكراه على موقع الـ "فيس بوك" الالكتروني، حملت إحداها عنوان "اسمي خالد محمد سعيد" وضمت 130 ألف عضو.
ووضع ناشطون حقوقيون مصريون صورته مكان الصورة التي تعرف عليهم في الفيس بوك، كما جرى أمر مشابه على موقع "تويتر" الالكتروني.
فيديو يؤدي لقتل سعيد
من جانبها كشفت ليلى مرزوق والدة خالد محمد سعيد في تصريحات خاصة لـ "الحقيقة الدولية" الأسباب الحقيقية وراء مقتل ابنها على يد ضابط شرطة ومخبرين اثنين، وقالت إنه "حصل على فيديو يحتوي على لقطات لأحد ضباط قسم سيدي جابر والمخبرين، وهم يقومون بالاتجار بالحشيش، وقام بنشر الفيديو بين أصدقائه وذلك منذ حوالي شهر، وقال إنه سوف يدشن مدونة لفضح الضابط والمخبرين.
وقالت والدة خالد "قمت بتحذيره أكثر من مرة من نشر هذا الفيديو حتى لا يقوموا بإيذائه"، وأبدت دهشتها لأنهم "لم يهددوه قبل يوم الحادث إلا أنهم دخلوا عليه فجأة وانهالوا عليه ضربا".
وقال احمد سعيد شقيق المجني عليه، في تصريحات خاصة لـ "الحقيقة الدولية" إن نيابة الإسكندرية أمرت باستدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في الواقعة وظروف الوفاة بعد أن تقدمت أسرة الشاب الراحل ببلاغ رقم 1545 لسنة 2010 تختصم فيه وزارة الداخلية للتحقيق في ملابسات مصرع نجلهم عقب خروجه من قسم شرطة سيدي جابر.
وكشفت تحقيقات النيابة، أنه أثناء مرور قوة من وحدة مباحث سيدي جابر بالإسكندرية لمتابعة الحالة الأمنية، شاهدت كلاً من خالد محمد سعيد "المتوفى" سابق اتهامه في 4 قضايا سرقة وحيازة سلاح أبيض وتعرض لأنثى بالطريق العام وهروب من الخدمة العسكرية ومطلوب ضبطه في حكمين بالحبس شهراً في قضيتي حيازة سلاح أبيض وسرقة، وموظف بشركة بترول (26 سنة) سابق اتهامه في إيصالات أمانة ومشهور عنهما الاتجار في المواد المخدرة، وبحوزة الأول لفافة يشتبه أن يكون بها مادة مخدرة، وعند محاولة استيقافه فر هارباً، إلا أن شرطيين تمكنا من ضبطه وحاولا تحريز اللفافة التي معه، لكنه ابتلعها ليصاب بحالة إعياء شديدة نقلاه على إثرها بمساعدة بعض الأهالي للمستشفى الجامعي بسيارة إسعاف، إلا أنه كان فارق الحياة، وبسؤال الموظف وشهود العيان أكدوا مضمون ما سبق.
وبغض النظر عما سوف تؤول إليه التحركات الشعبية والقانونية، إلا انه من المؤكد أن تلك القضية ربما تكون المسمار الأخير في نعش قانون الطوارئ الذي طبق في مصر منذ اغتيال أنور السادات وحتى الآن واستخدامه أبشع استخدام في التنكيل بالمعارضين رغم ادعاء الحكومة بعكس ذلك.
المصدر : الحقيقة الدولية – القاهرة – مصطفى عمارة 13-7-2010
المفضلات