الفصل السادس الوعد القرآني في سورة الحج
هناك خلاف بين المفسرين في سورة الحج، هل هي مكية أو مدنية، ورغم أنه ذهب كثير منهم إلى أنها مكية، إلا أننا مع الذين يرون أنها مدنية، لأن عليها طابع السور المدنية.
وقد قطعت آيات السورة وعوداً قاطعة بنصر المؤمنين، وهزيمة الكفار، واستمرار المواجهة بين أهل الحق وأهل الباطل.
ولننظر في هذه (الوحدة) المتكاملة، ونقف على ما فيها من وعد صادق واقع، تحقق في الماضي، ولا بد أن يتحقق في المستقبل.
الوعد القرآني بالنصر:
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ، أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 38-41].
تخبر الآيات عن كون الله مع المؤمنين، بفضله وتوفيقه، لأنهم عباده وأولياؤه، وهو يدافع عنهم أمام أعدائهم، وقد أذن الله لعباده المؤمنين بالجهاد، ووعدهم بالنصر، وقد أخرجهم الكفار من ديارهم بغير حق أو ذنب أو جريمة، وكل ما فعلوه أنهم أعلنوا إيمانهم بالله وحده.
وتخبر الآيات عن استمرار الحرب والخلاف والتدافع بين الناس، وهذه سنة الله، ولولا هذا التدافع لفسدت الأرض، وتحكّم الكافرون في الأرض، وهدموا بيوت الله، التي يُذْكَر فيه اسم الله كثيراً.
وتعِد الآية بنصر الله، لكنه لا يكون إلا لمن نصر الله، والذين ينصرون الله هم عباده الصادقون المجاهدون، الذين يحافظون على النصر والتمكين، بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
إن قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) هو أول آية فيها الإذن للمؤمنين بالجهاد، لأن المؤمنين في مكة كانوا مأمورين بكف أيديهم والإمساك عن القتال، ولم يأذن الله لهم بالجهاد إلا بعد الهجرة، وهذه حجة قوية لمن يرون أن سورة الحج مدنية.
ويمكن أن نأخذ من هذه الوحدة الحقائق والوعود القرآنية التالية:
1- الله يدافع عن المؤمنين:
وعد الله أن يدافع عن عباده المؤمنين الصالحين، لأنهم أولياؤه وجنده، وأعداؤهم الكافرون يحاربونهم حرباً شرسة بدون هوادة، والله القوي لا يتخلى عن أوليائه، ولا يسلمهم إلى أعدائهم، ليتغلبوا عليهم ويفتكوا بهم.
ودفاع الله عن المؤمنين ليس مقيداً بصورة معينة، وإنما له صور عديدة، فقد يأخذ هذا الدفاع صورة النصر العسكري، أو الظهور الدعوي، أو انتصار دينهم بعد استشهادهم أو وفاتهم.
وهذا الوعد القرآني الصادق، يشمل المؤمنين في كل زمان أو مكان، يواجهون فيه الكفار، وقد دافع الله عن المؤمنين السابقين، وهو يدافع عن المؤمنين المعاصرين، حتى لو قام الكافرون بسحن وتعذيب بعضهم، أو قتل آخرين، فدينهم الإسلامي ظاهر، ودعوتهم الإسلامية مستمرة، وهذا حفظ من الله لهم، ودفاع من الله عنهم!.
2- الإذن للمؤمنين المظلومين بالجهاد:
ظلم الكافرون المؤمنين، واضطهدوهم وفتنوهم، وعذبوهم بسبب إيمانهم، وقاتلوهم من أجل دينهم، وأذن الله لهؤلاء المؤمنين المظلومين المقاتَلين بقتال أعدائهم الكافرين الظالمين، وذلك لرد عدوان المعتدين، ودفع الظلم عن المظلومين.
ولا يجوز للكافرين المعتدين في أي زمان ومكان اتهام المؤمنين بالاعتداء أو الإرهاب، إذا ردّوا على عدوانهم، وعلوا على دفع ظلمهم، لأن الكفار هم الذين بدؤوا بالعدوان والحرب، ومعروف أن البادئ أظلم! ولا يتوقع المعتدون الكافرون أن يواصلوا عدوانهم على المسلمين، وأن يقابل المسلمون ذلك بالسكوت والاستخذاء والاستسلام!.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات