الشعب العراقي بين التخيير والتسيير ..
لنقرأ ونتمعن في هذا المقال ولنعرف الحقيقة ، هل ان الشعب العراقي في اختياره لمن يمثله من السياسيين خلال الانتخابات كان مخيرا او كان مسيرا ومجبرا بأي شكل من الأشكال ؟؟ نعم ربما الموضوع طويل لكننا مهما كتبنا لا يمكننا استيعاب معاناتنا ومآسينا فان طال فليس لأننا متفرغين ولا شغل لنا ولا عمل إلا الكتابة والنقد بل لأننا نعاني ونعبر عن صرخة ألمنا بالكتابة عسى ان يسمعها احد ويفيق من سباته او غفلته ..
يعيب علي البعض انتقادي للمرجعية الدينية كونها دعت وثقفت المجتمع نحو انتخاب جهات سياسية معينة على أساس الطائفية او غيرها وحتى لا تذهب بالقارئ الكريم الظنون بعيدا فانا شيعي وان انتقدت المرجعية فليس لحقدي عليها او كرهي لها وإنما لاعتقادي أن الجميع منا يمكن ان يخطأ وليس بمعصوم وهذا حال المرجعية أيضا فلا يوجد ضير ان ننتقد ونبين الخطأ وننصح لأن الدين هو النصيحة وليس كل انتقاد يعني الكره والحقد بالعكس فالإنسان الواعي يفترض به ان يكون كالمرآة الصافية تعكس الصورة كما هي لمن ينظر لها أما من يريد ان نغض البصر ونشوش الأفكار بحجة ان فلانا رمز وقائد ولا يجوز نقده وبيان مواطن خطأه فهذا ليس بصواب وفي هذه الحالة نكون كالمرآة غير الصافية التي لا تعكس الصورة ناصعة واضحة ..
واسمحوا لي ان أتكلم بصراحة ووضوح وجرأة ربما سيتضايق بعض الإخوة منها ولكن ان وضعنا يدنا على الجرح فلأجل المصلحة العامة ليس أكثر ، يقول البعض ان المرجعية الدينية غير مشاركة في العمل السياسي وجالسة على الحصير إشارة الى تواضعها وابتعادها عن السياسة !! ، وهذه النظرة غير دقيقة او أنها ليست واقعية لان تصور مشاركة المرجعية في العملية السياسية عن طريق تسنمها وزارة معينة او ان تصبح رئيس الجمهورية وما شابه ، هذا التصور قاصر وبعيد عن الدقة والموضوعية وهذا لا يعني مفهوم المشاركة في العملية السياسية ، ومن يتصور مشاركة المرجعية بالعملية السياسية على هذا النحو فقط من المشاركة فهو مخطأ وبعيد عن الصواب لأننا كأفراد من المجتمع العراقي ونعيش كل أفراح وأتراح العراق وكل مآسيه شاهدنا وتيقنا وفق كثير من الأمور التي حدثت واتضح لنا ان المرجعية لها القول الفصل والتأثير القوي لا اقل على شريحة كبيرة من الشعب العراقي ومن يقول ان المرجعية كلامها غير مسموع فهو بعيد عن الواقع ولا يعرف طبيعة وآيدلوجيات الشعب العراقي ، ومن يدافع ويبرر للمرجعية يدعي أنها تنصح وتعمل من اجل خير العراق لكن السياسيين لا يأخذون بكلام المرجعية ، وهذا ما يعتبر مأخذا وسلبية تسجل على السياسيين انفسهم وكذلك المرجعية كونها دعمت وأيدت هؤلاء بأساليب ربما هي غير معلنة وتختلف وتتعارض مع البيانات والخطابات التي في الإعلام حين تتحدث بأنها تقف على مسافة واحدة ولكن الحقيقة خلاف هذا الشيء وابسط مثال عشناه هو ما حصل قبيل الانتخابات من تعطيل للحوزة العلمية لفترة عشرة أيام تقريبا وقيام الآلاف من طلبة الحوزة والوكلاء والمعتمدين بإقامة الندوات التثقيفية ودعوة المجتمع خاصة في الوسط والجنوب الى ضرورة انتخاب القوائم الشيعية الكبيرة وعدم انتخاب القوائم التي لا تتمسك بثوابت المذهب الشريف ، ولا يمكن تصور ان كل هؤلاء الطلبة ورجال الدين الذين يقدرون بالآلاف تحركوا من تلقاء انفسهم او انهم رأوا في المنام ضرورة التحرك ، أبدا بل هناك توجيه وتنظيم ونحن نعلم جيدا من هو المسيطر على الحوزة العلمية في النجف الاشرف وخاصة المؤسسة الدينية التي يقودها السيستاني ومعه بشير الباكستاني والفياض و محمد سعيد الحكيم .. وكلما قلنا وكتبنا ان هذه المؤسسة بقيادة السيستاني كان ولا زال لها دور في رسم الواقع المأساوي الذي يعيشه العراقيون اليوم من خلال دعوتها وتأييدها لقوائم وتكتلات سياسية مسيطرة في البلد والتي صار العراق يعاني ويتألم بسبب سياستها ولكن البعض يختلف معنا في هذه الرؤية ويقول ان الشعب هو من اختار هؤلاء السياسيين المفسدين بمحض إرادته وهو من يتحمل مسؤولية خطئه ولم يكن للمرجعية دورا في انتخابهم !! وهذا الكلام بعيد عن الواقعية بالتأكيد خاصة عند سماع هذا المقطع الفيديوي للمرجعية الذي يثبت التدخل الواضح في تحديد مسار الانتخابات :
http://www.youtube.com/watch?v=pgbcqZd4nF4
حين يقول الباكستاني مخاطبا الوكلاء والمعتمدين والمبلغين وغيرهم حول الانتخابات ودعوته لاختيار قائمة الائتلاف الموحد : "واعلموا في المرحلة السابقة كانت مرحلة معينة لأجل ذلك آني وأخوتي المراجع قلنا لكم هاي قائمة وحيدة واحدة قائمة الائتلاف عليكم بها "
وكذلك يضيف حول مسألة الانتخابات البرلمانية الأخيرة : " هذه المرحلة سعيت انا وإخوتي المراجع أن تكون هناك قائمة واحدة ونفوس ما خضعت لأوامرنا نفوس السياسيين ، قسم من السياسيين فصارت قائمتين أو أكثر "
ومن الأمثلة الأخرى التي توضح التدخل السياسي الفاعل للمرجعية ما حدث قبيل التظاهرات التي حاول العراقيون الخروج بها للمطالبة بحقوقهم والتعبير عن آرائهم خاصة في 25 شباط الماضي فالبعض من رجال الدين حرم صراحة الخروج والبعض شكك بنوايا من يريد الخروج والبعض خوف الشعب بأن بعض الجهات تريد استغلال هذه التظاهرات وبعد ان اجهضت التظاهرات وتبين ان من خرج هم عراقيون شرفاء ومطالبهم مشروعة تعالت التصريحات بتأييد مطالب الشعب !! وما هي الفائدة بعد ان حصل ما حصل ؟؟
بالإضافة الى اننا نلاحظ وبوضوح كيف ان المرجعية تتدخل في الصغيرة والكبيرة فيما تواجهه الحكومة من تحديات وأزمات وبهذا يتضح وقوفها مع الحكومة لا مع الشعب ومطالبه المشروعة .. ورب سائل يسأل ولماذا يكون للمرجعية كل هذا الدور في تحديد مسار الانتخابات مثلا ؟؟ والجواب على هذا يتضح عند معرفة ما يعتقده اغلب المجتمع في العراق بالمرجعية الدينية وما يحيط هذا المنصب من هالة وقدسية وتقدير ولكنهم غفلوا عن مسالة مهمة وهي احتمالية ان يشغل هذا المنصب من ليس أهلا له فيفرط فيه ويكون سببا في زوال هذا التقديس والتقدير كما هو حاصل اليوم حين وقفت شخصية المرجعية مع الجلاد والظالم ولم تقف مع الشعب المظلوم ..
ولو كانت مع الشعب وليس مع السياسيين لخرجت الى الإعلام بنفسها ولم تترك التصريحات الإعلامية لمن يتحدث باسمها من سياسيين وغيرهم لتفسح لهم المجال بان يحكوا ما يرغبون فيه ، وان كانت تمثل الشعب او على الأقل شريحة كبيرة منهم او أنها تحس بما يحسون به لما استقبلت هؤلاء السياسيين وأوصلتهم الى الباب بكل احترام وتقدير حين زيارتها ولاتخذت موقفا عمليا ، وليس بالأقوال فقط ، تبين من خلاله انها مع الشعب وانها ناقمة على تصرفات السياسيين ، اسألك بالله ان كان السياسي كالمالكي مثلا حين يزور المرجعية وتتصرف معه بكل ودية واحترام وتقدير وتعتبره رجل دول ففي هذه الحالة هل يخاف من الشعب او من غير الشعب ان تصرف أو قام بأفعال لا تخدم الصالح العام أكيد لا يخاف لأنه يحس ويشعر من تصرفات المرجعية انها معه وهذا ما يجعله يحس ان له ظهرا يسنده ..
حسام صفاء الذهبي
المفضلات