ما هو مفهوم الأمن... سياسي أم عسكري أم اقتصادي؟
يعتبر مفهوم الأمن مفهوماً عالمياً نشأ على أساسه ما سمّي سنة 1919 بعصبة الأمم والتي كانت تمثل إنجازاً رمزياً ذا أبعاد هائلة ومثل ذلك اتفاقية هلسنكي وغيرها والتي تعني أساساً وابتداء بمفهوم السيادة والذي يفترض أن التهديد الرئيس للأمن يأتي من شعب آخر.
فالأمن والحالة هذه يعني تأمين كيان الدولة والمجتمع ضد الأخطار التي تتهددها من الداخل والخارج وتأمين مصالحها وتهيئة الظروف المناسبة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وعسكرياً لتحقيق الأهداف والغايات، أي أن المخاطر التي تتهدد الأوضاع الدولية ليست مقصورة على معضلات العلاقات الدولية أما التهديدات الخارجية فتتمثل في الإدعاءات المتعلقة بالسلاح الإستراتيجي أو الفضاءات الحيوية أو السيطرة بشكل عام.
وعليه يصبح مفهوم الأمن سياسيا وعسكريا وهو بالضرورة اقتصادي تبعاً للأهداف، وهذا المفهوم لا يتعارض إطلاقاً مع الدعوات للاستقلال والتحرر إلاّ إذا تعارض مع الأهداف الاقتصادية وظل هذا المفهوم سائداً منذ عصبة الأمم وحتى نشوء الأمم المتحدة إذ تغيرت المفاهيم وأصبح مفهوم الهيمنة والمصالح ضمن أجندة الدول القوية التي تهيمن عسكرياً ومن يملك التكنولوجيا والسلاح وقوة المال فهو القوي المسيطر.
وتِبعاً لهذه الحال فقد تعمّق مفهوم الأمن ليشمل دول العالم وضرورة الهيمنة عليه تصاعداً بالمفهوم إلى أن استقر على أن من يملك القوة يفرض الأمن فتصبح السياسة والاقتصاد في حافظة القوي ومن ضمن المفهوم إلاّ في منع الدول التي تعتبر من المعسكر الثاني أي الصف الثاني في القوة من امتلاك الأسلحة الإستراتيجية ذات الدمار الشامل بالبيولوجية والكيماوية والنووية والتقليدية بعيدة المدى وهذه النظرة ابتعدت في الخطأ ووصلت حد الخطيئة حين طبّقتها على العراق الذي ثبت زيف الإدعاءات حولها وكذلك حين اعتبرت أفغانستان مخزنا للإرهاب الدولي وفي كلا الحالين أثبت التاريخ أن القوة التي بموجبها يطبق الأمن في العالم هي سلاح خاطئ ومفهوم عقيق. ومن هنا نسأل لماذا تصر الولايات المتحدة على تهديد إيران بضربة قوية واستخباراتها تنفي قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي؟هل تريد أن تقع بالخطأ مرة اخرى؟ والسؤال الآخر ما هو مفهوم الأمن إذا كانت إيران لا تتعدى بسياساتها حدودها ولا تشكل خطراً على أحد؟ وإذا كانت الولايات المتحدة تخشى أن تصبح إيران دولة نووية عسكرية فلماذا تجاهلت بل ساعدت الهند وباكستان على امتلاك السلاح النووي؟ ولماذا تتجاهل تزويد إسرائيل بالسلاح النووي منذ قيام الدولة الإسرائيلية أو التغاضي عن امتلاكها لهذا السلاح؟ ألا يتهدد هذه الدول النووية الأمن العالمي؟ ولماذا تتجاهل الولايات المتحدة تقارير استخباراتها وهي تعتمد عليها كليّاً. نود التذكير أن الولايات المتحدة كلّفت لجنة هاملتون بيكر بوضع تقرير عن حربها في العراق ولمّا لم يأت التقرير لصالحها أهملته ولما جاء تقرير المخابرات كاذباً عن اقتناء العراق لسلاح شامل نفذته ولما جاء تقرير الاستخبارات عن إيران مخالفاً لرغبة الإدارة الأمريكية تجاهلته، كل هذا يجعل من السؤال المطروح بداية ما هو مفهوم الأمن أمريكياً؟.
إنه من الطبيعي أن تمتلك إيران التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية فلماذا تصر الإدارة الأمريكية على غير ذلك؟. لقد أثبت الواقع أن القوة مهما كانت مذهلة لم تمنع انطلاق الإرادة وقوة العزيمة والعراق وأفغانستان أمثلة على ذلك. ومع ذلك تصر الإدارة الأمريكية على استمرار الحرب ضد العراق وأفغانستان وهي ترغب في شنّها على إيران بحجة صيانة الأمن العالمي. فهل صانت الولايات المتحدة الأمن العالمي بكل قوتها حين أظفرت أنيابها في الجسدين العراقي والأفغاني والآن تريد من أنيابها أن تظفر بالجسد الإيراني. فهل بقي لمصداقية الأمن من معنى ومفهوم أم أن الحروب أفرغت المضمون من معناه؟ قد تكون الطموحات الإيرانية تنظر إلى السلاح النووي لكن تدمير الأمن العالمي لا يمكن أن تفعله الولايات المتحدة تحت هذا الغطاء الذي قد يكون صحيحاً أو كاذباً.
المفضلات