بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان فرصة للشباب
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان موسماً
للأجور والأرباح ، والصلاة والسلام على نبي
الهُدى والفلاح ،
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم السرور والأفراح ..
أما بعد
* حديثي إليك – أخي الشاب – حديث أخ
لأخيه ، ومحبٍّ لحبيبه ، وصديق مشفق ناصح لصديقه ،
يريد له الخير ، ويرجوا له الفوز والفلاح .
فأرعني سمعك ، وافتح لكلماتي قلبك ،
ولا تنظر إلى عيب الناصح ،
بل انظر فيما يدعوك إليه ،
فإن كان خيراً قبلتَه ،
وإن كان غير ذلك فلستُ عليك بوكيل .
* أخي الحبيب ،
ماذا أعددت لنفسك في شهر رمضان ؟
ذلك الشهر العظيم الذي تُفَتَّح فيه أبواب الجنة ،
وتُغَلَّقُ أبواب النار ، وتُسَلْسًلُ الشياطين ،
وفيه يعتِقُ الله عباده الصالحين من النار .
* هل عزمت فيه على التوبة ؟
وهل قررت العودة والأوبة ؟
وهل نويت التخلص من جميع المعاصي
والمنكرات ،
وفتح صفحة جديدة مع ربِّ الأرض والسموات؟
وهل خططت لبرنامجك التعبدي اليومي في هذا الشهر ؟
وبماذا ستستقبل أيامه ولياليه ؟
أسئلة لا بد من الإجابة عليها بكل صدق وأمانة ،
ومصارحة للنفس في ذلك حتى لا يدخل
الشهر ويخرج بلا عبادة ولا طاعة ، وتضيع أيامه
وساعاته هباء منثوراً .
ابدأ بالتوبة
* فالتوبة هي بداية الطريق ونهايته ،
وهي المنزلة التي يفتقر إليها السائرون إلى
الله في جميع مراحل سفرهم وهجرتهم إليه
سبحانه .
* فليست التوبة – إذن – من منازل العصاة
والمخلِّطين فحسب كما يظن كثير من الناس
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم –
وهو سيد الطائعين وإمام العابدين –
(( يا أيها الناس ! توبوا إلى الله ، فإني أتوب
إليه في اليوم مائة مرة )) [رواه مسلم].
* ولما أمر الله عباده بالتوبة ناداهم باسم
الإيمان فقال سبحانه :
{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور:31] ،
ونحن جميعاً ذوو ذنوب وأخطاء ومخالفات ،
فمن منا لا يخطئ ؟
ومن منا لا يُذنب ؟
ومن منا لا يعصي ؟
* والله سبحانه غفَّار الذنوب ،
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ،
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ،
ويفرح بتوبة التائبين وندم العصاة والمذنبين ،
ولذلك فقد جعل سبحانه للتوبة باباً من قِبَلِ
المغرب عرضُه أربعون سنة ،
لا يُغْلِقُه حتى تطلع الشمس من مغربها ،
* والتوبة – أخي الشاب – أمر سهل ميسور ،
ليس فيه مشقة ، ولا معاناة عمل ،
فهي امتناع وندم وعزم ؛ امتناع عن الذنوب
والمخالفات ، وندم على اقترافها في الماضي ،
وعزم على عدم العودة إليها في المستقبل .
أهمية الوقت
* أخي الشاب ! إذا ندمت على ما فات ،
وتركت المخالفات والذنوب في المستقبل ،
توجَّب عليك بعد ذلك الاهتمام بعمرك ،
وإصلاح وقتك الحاضر الذي بين ما مضى وما
يُستقبل ،
فإنك إن أضعته أضَعْتَ سعادتك ونجاتك ،
وإن حفظته بما ذكرت نجوت وفُزْتَ بالراحة
واللذة والنعيم .
* قال الإمام ابن الجوزي : رأيت عموم الخلائق
يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ؛
إن طال الليل فبحديث لا ينفع ،
أو بقراءة كتاب سمر .
وإن طال النهار فبالنوم ،
وهم في أطراف النهار على نهر دجلة أو في
الأسواق !!
فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري
بهم ، وما عندهم خبر ، ورأيت النادرين قد
فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاد
والتأهب للرحيل .. فالله الله في مواسم العمل،
والبدار البدار قبل الفوات .
* وقال أيضاً : ينبغي للإنسان أن يعرف شرف
زمانه وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير
قرية ، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول
والعمل ، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير
فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل ،
وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات،
فنُقل عن عامر بن عبد قيس أن رجلاً قال له :
كلِّمني ، فقال له : أمسك الشمس !!
* ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو
يصلي ، فعاتبوه على ذلك فقال :
الآن تطوى صحيفتي !!
* فإذا علم الإنسان – وإن بالغ في الجد –
أن الموت يقطعه عن العمل ،
عمِل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته .
صّوَرٌ من اجتهاد السلف
* هذه – أخي الشاب – نماذج مضيئة وصور
مشرقة تشير إلى اجتهاد سلفنا الكرام في
عبادة الله تعالى وطاعته ،
لعلك إن نظرت فيها أورثك ذلك علوّ الهمة
والإقبال على العبادة :
1- صلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى
تفطَّرت قدماه ، فراجعوه في ذلك فقال :
(( أفلا أكون عبداً شكوراً )) [متفق عليه].
2- وكان أبو بكر رضي الله عنه كثير البكاء
وبخاصة في الصلاة وعند قراءة القرآن .
3- وكان في خدِّ عمر رضي الله عنه خطَّان
أسودان من كثرة البكاء .
4- وكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن
في ركعة .
5- وكان علي رضي الله عنه يبكي في محرابه
حتى تَخْضَل لحيته بالدموع ، وكان يقول :
يا دنيا غرِّي غيري ، قد طلَّقتُك ثلاثاً لا رجعة
فيه !
6- وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع دائماً
وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر
الأواخر في كل ليلة .
7- وكان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف !
8-كان سعيد بن المسيب ملازماً للمسجد ،
فلم تَفُتْه صلاة في جماعة أربعين سنة !!
رمضان فرصة للشباب
* أخي الشاب !
* إن تجار الدنيا لا يألون جهداً ، ولا يدّخرون
وسعاً في اغتنام أي فرصة ، وسلوك أيِّ
سبيل يدرُّ عليهم الربح الكثير ، والمكسب
الوفير ، فلماذا لا تتاجر أنت مع الله ؟
وما أدراك ما التجاره مع الله!
فتسابق إلى الطاعات والأعمال الصالحات ،
لتفوز بالربح الوفير والثواب الجزيل منه
سبحانه وتعالى .
* ورمضان – أخي الشاب – من أعظم الفرص
التي يجب أن يشمر لها المشمرون ،
ويَعُدَّ لها عُدَّتها المتقون ،
ولا يغفل عن اقتناصها المتيقظون ،
فهو شهر مغفرة الذنوب ، والفوز بالجنة ،
والعتق من النيران ، لمن سلم قلبه ،
واستقامت جوارحه ، ولم يُضَيَّع وقته فيما يضرّ
أو فيما لا يفيد .
* وإليك – أخي الشاب – بعض الأمور التي
تُعينك على اغتنام أوقات هذا الشهر وإعمارها
بالأعمال الصالحات :
1
- الصيام عبادة وليس عادة :
* قال النبي صلى الله عليه وسلم
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما
تقدم من ذنبه )) [ متفق عليه ] ،
ومعنى قوله : (( إيماناً )) أي : إيماناً بالله وبما
أعده من الثواب للصائمين .
ومعنى قوله : (( احتساباً )) أي : طلباً لثواب
الله ، لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ،
ولا طلب مال ولا جاه .
2- رمضان نعمة يجب شكرها :
* تأمل – أخي الشاب – في الذين أدركهم
الموتُ قبل دخول شهر رمضان ، فقد انقطعت
أعمالهم وطُويت صحائفهم ، فلا يستطيعون
اكتساب حسنة واحدة ،
ولا فعل معروف وإن كان يسيراً .
* أما أنت – أخي الشاب – فقد مد الله في
عمرك حتى أدركت هذا الشهر العظيم ،
وهيَّأك لاكتساب هذا الثواب وتلك الأجور .
وهذا – والله – نعمة كبرى ينبغي شكرها ،
والثناء على الله تعالى بإسدائها .
3- النوم والسهر :
* أخي الحبيب ، إذا قضيت نهار رمضان في
النوم ، وليله في السهر واللعب ،
حُرمت أجر الصيام والقيام ، وخرجت من
الشهر صفر اليدين ، فهي - والله – أيام
معدودة ، وليال مشهودة ، ما تُهل علينا إلا وقد
آذنت بانصرام ، فاجتهد فيها – رحمك الله –
بالطاعة والعبادة تفز باللذة والنعيم غداً .
وإياك أن يدركك الشهر وأنت في غفلة ،
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ،
ثم انسلخ قبل أن يغفر له )) [ رواه الترمذي
والحاكم وصححه الألباني ] .
4- تلاوة القرآن :
* رمضان شهر القرآن ، وقد كان السلف إذا
دخل رمضان يجتهدون في قراءة القرآن
ويقدمونها على كل عبادة ، حتى رُوي عن
بعضهم أنه كان يختم القرآن كل ليلة ،
فاجتهد رحمك الله في تلاوة القرآن في هذا
الشهر ، واقرأ بترسُّل وترتيل وتدبر وخشوع ،
والتزم بأحكام التلاوة ما استطعت .
5- قيام الليل :
* قيام الليل سنة مؤكدة في غير رمضان ،
وهو أشد تأكيداً في رمضان ، وهو صلاة
التراويح التي يصليها الناس في المساجد ،
فينبغي الحرص عليها وإتمامها كاملة مع
الإمام ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام
ليلة )) [ رواه أهل السنن وقال الترمذي :حديث صحيح ]
6- الصدقة :
* الصدقة في رمضان لها مزية وفضيلة عن
غيره من الشهور ،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا دخل رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة،
فاحرص على التصدُّق في هذا الشهر والجود
بما عندك .
7- تفطير الصائمين :
* واحرص كذلك على تفطير الصائمين ،
وإطعام الفقراء والمساكين ،
فقد قال صلى الله عليه وسلم :
(( من فطَّر صائماً كان له مثل أجره ))
[رواه أحمد والترمذي وصححه]
8- لزوم المساجد :
* خير بقاع الأرض المساجد ، فاحرص على
صلاة الجماعة في المساجد ،
وانتظار الصلاة بعد الصلاة ،
ولا تدع شيئاً من النوافل ،
فإنها تسدُّ خلل الفرائض ،
وتوجب محبة الله تعالى ؛
قال تعالى في الحديث القدسي :
(( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى
أحبه )) [رواه البخاري].
10- العشر الأواخر :
* احرص – أخي الشاب – على أن يكون
اجتهادك في العشر الأواخر أكثر من اجتهادك
فيما قبلها ،
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا دخل العشر أيقظ أهله ،
وأحيا ليله ، وجدَّ وشدَّ المئزر .[متفق عليه].
11- ليلة القدر :
* تحرَّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان،
وبخاصة في ليالي الوتر منها ، فأحي الليالي
بالعبادة من صلاة وقيام وقراءة قرأن وذكر
ودعاء وغير ذلك من الطاعات ، فإن ثواب
العبادة في هذه الليلة أفضل من ثواب العبادة
في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .
14- الدعاء :
* الدعاء هو العبادة ، وهو دليلٌ على افتقار
العبد إلى ربِّه وضرورته إليه في كل حال ، وقد
سماه الله تعالى عبادة في قوله :
{ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ } [غافر:60]. فأين أنت –
أخي الشاب – من عبادة الدعاء ؟
15- الاعتكاف :
* وهو لزوم المسجد والانفراد لطاعة الله ،
فلا تضيَّع أيام اعتكافك وساعاته في اللغو
والكلام في سفاسف الأمور ، فيكون الذي لم
يعتكف أفضل منك !!
16- الطعام والشراب :
* إياك وكثرة الطعام أو الشراب فإنها تؤدي
إلى التراخي والفتور والتكاسل عن العبادة .
17- منكرات يجب اجتنابها :
* إقلاعك عن التدخين في نهار رمضان دليل
على قوة عزيمتك ، فلم لا تمتنع عنه بالكلية
في الليل والنهار ؟!
* إياك وسماع الغناء ، فإنه يفسد القلب ،
وينبت فيه الرعونة وقلة الغيرة .
* اجعل من شهر رمضان فرصة للتخلص من
أسرِ مشاهدة المسلسلات والأفلام
والمسابقات والبرامج التافهة .
* إياك وكثرة المزاح والضحك ، فإنها يورثان
قسوة القلب والغفلة عن ذكر الله .
* لا تصاحب الأشرار الفارغين ،
فإنك إن صاحبتهم كنت مثلهم .
* شرُّ بقاع الأرض الأسواق ،
فإياك والتواجد فيها لغير حاجة .
* الخلوة والاختلاط بالنساء الأجنبيات
من أكبر أسباب الشرور والفساد والعقوبات
العامة ؛ فاحذر من ذلك .
* إياك ومنكرات اللسان ، فإنها تُضعف ثواب
الصيام جداً ،
قال صلى الله عليه وسلم :
(( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ،
فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
[ رواه البخاري].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اسف على طول الموضوع ولكن!!!!
المفضلات