إذا كان من يوسوس لك لا يهمه إلا أن تقع في المعصية.. بصرف النظر عن نوعها.. فهذا هو الشيطان..
أما إذا كان هناك إصرار على معصية معينة ألفتها.. فذلك من نفسك.
إذن إبليس دائما يأتي من الباب الذي يرى فيه المنهج ضعيفا..
فإذا وجد إنسانا متشددا في ناحية معينة، ياتي اليه من ناحية أخرى يكون فيها ضعيفا..
فإذا كان الانسان مثلا.. متشددا في الصلاة محافظا عليها ويؤديها في أوقاتها..
جاءه إبليس من ناحية المال،
فيوسوس له حتى لا يخرج الزكاة ويقتر،
ويأكل أموال الناس بالباطل،
مدخلا في نفسه الوهم بأن هذه الطريقة تزيد ماله..
وتجعله غنيا وتبعد عنه الفقر..
والحقيقة غير ذلك..
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما نقص مال عبد من صدقة"
لأن الصدقة هي التي تكثر المال..
وتضع بركة الله فيه ليزداد وينمو..
والمال هو مال الله.
يتركه كل منا عندما يرحل عن الدنيا..
ولكن غير المؤمن يغفل عن هذه الحقيقة.
وحينما يجد إبليس إنسان متشددا في الصلاة.. محبا للمال... يأتيه من ناحية ضعفه فيمنعه من الصدقة وأنواع البر، ثم يغريه بالمال الحرام، وتبدأ المعاصي تنسج على قلبه عودا عودا.. لتغطي القلب كله وتمنعه من ذكر الله.
ولعلنا نذكر قصة ثعلبة الذي طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الله أن يغنيه.. فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام:" قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه".. ولكن ثعلبة أصر.. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكثرت غنمه حتى ضاقت بها المدينة.. فخرج الى خارجها.. وبدأ قعلبة يغيب عن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فيحضر مرة ويتخلف مرة.. حتى اقتصر على صلاة الجمعة.. ثم امتنع عن صلاة الجمعة.. ثم امتنع بعد ذلك عن دفع الزكاة.. مدعيا أنها جزية. حتى نزل فيه قول الله تعالى:
{ ومنهم من عاهد الله
لئن أتانا من فضله لنصّدّقّنّ ولنكوننّ من الصالحين
فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون
فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه
بما أخلفو الله ما وعدوه
وبما كانوا يكذبون}
وعندما نزلت هذه الآية الكريمة.. انزعج ثعلبة وأسرع يحمل مال لزكاة.. الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يقبله منه..
وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه أسرع يحمل الزكاة الى أبي بكر..ولكن أبا بكر رفض أن يقبلها منه قائلا: ما كنت أقبل ما رفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وعندما جاء عهد عمر بن الخطاب .. عرض ثعلبة الزكاة على عمر فرفض أن يقبلها منه.. ومات ثعلبة في عهد عمر بن الخطاب.
هذه قصة ترينا
كيف استغل الشيطان حب المال في قلب عبد من عباد الله..
ليخرجه عن الطاعة وعن المنهج..
وليقوده الى المعصية..
والى الكفر والعياذ بالله،
والأمثلة على ذلك كثيرة..
إنه يبحث عن نقط ضعف في الانسان لكي ينفذ اليه منها،
ولا يفتر عن ذلك أبدأ حتى يوقعه في حبائله ويخرجه عن منهج الله
000000000000000000000000000000000000000
الى هنا انتهت القصة وفي ما يلي التعليق.
هذه القصة التي يدندن بها كثيرٌ من الوعَّاظ , وهي لا تصح .
أخرج هذه القصة ابن جرير الطبري والطبراني والواحدي كلهم من طريق معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه , ثم ذكروا القصة . وفي إسنادها معان والألهاني والقاسم وكلهم ضعفاء , بل منهم من كُذِّب .
وللقصة طريق أخرى عند ابن جرير , لكنه عن ابن عباس أنها نزلت في ثعلبة بن أبي حاطب ((وهو غير ثعلبة بن حاطب )) إلا أنها مسلسلة بالعوفيين وهم ضعفاء , فهي ضعيفة جداً .
ورويت أيضاً عن الحسن البصري عند الطبري , وهي مرسلة , ومراسيلهُ من أضعف المراسيل .
وقد ضعف هذه القصة جَمْعٌ من العلماء , منهم :" ابن حزم , والبيهقي , والقرطبي , والذهبي , والعراقي , والهيثمي , والحافظ ابن حجر , والمناوي , والسيوطي ".
ومن المعاصرين :" العلامة الألباني , وشيخنا مقبل الوادعي رحمهم الله أجمعين ".
إضافة إلى ضعف سندها , ففي متنه انكارة , تتلخص بثلاثة أمور :
أولاً: مخالفتها للقرآن الكريم , ولسنة الرسول صل الله علية وسلم حيث جاء القرآن وجاءت السنة بقبول توبة التائب , مهما كان عمله , مالم يغرغر , أو تطلع الشمس من مغربها , وتفيد هذه القصة , أن الرسول صل الله عليه وسلم وأصحابه الثلاثة رضي الله عنهم , لم يقبلوا توبة ثعلبة بن حاطب رضي الله عنه .
ثانياً: مخالفتها للأحاديث الثابتة , الواردة في مانع زكاة الإبل والماشية , حيث جاء الحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم في أن مانع زكاة الإبل والماشية تؤخذ منه الزكاة , ويؤخذ منه شطر ماله .
فقد أخرج أحمد وأبو داود والحاكم , كلهمن طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال :" في كل سائمة إبل , في أربعين بنت لبون , ولا يفرق إبل عن حسابها , من أعطاها مؤتجراً فله أجرها , ومن منعها فإنا آخذوها , وشطر ماله , عزمة من عزمات ربنا عز وجل , ليسأل محمد منها شيء ". حسنه الشيخ الألباني في الإرواء (3 / 263) , وانظر " قصص لاتثبيت " ليوسف العتيق (1/ 43ـ 49) .
ثالثاً: قال ابن حزم (معلقاً على هذه القصة) :" وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين, أمر عليه السلام عند موته ألاَّ يبقى في جزيرة العرب دينان , فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلماً ففرضٌ على أبي بكر , وعمر قبض زكاته ولابد , ولا فسحة في ذلك , وإن كان كافراً ففرضٌ أن لا يقرّ في جزيرة العرب , فسقط هذا الأثر بلا شك " ا هـ " المحلى " (12/ 137) مسألة رقم (2203) , وللمزيد راجع مقدمة " الصحيح المسند من أسباب النزول " لشيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله ص (11 ـ 12) .
اسأل الله ان ينفعنا بما علمنا و نقول ونعمل بما يرضي الله سبحانة وتعالى اخوتي الافاضل الكرام.
المفضلات