دائرة الافتاء : رضاع الكبير لا تثبت به الحرمة ولا اعتبار به
عمان – السوسنة
قالت دائرة الافتاء أن رضاع الكبير لا تثبت به الحرمة، ولا اعتبار به ، وهذا ما ذهب عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء المتبوعين من أئمة المذاهب الأربعة .
وأضافت دائرة الافتاء في فتوى حملت الرقم 243 : أن ما ورد في الحديث عن ارضاع الكبير فإنه لا يعد إشكالا مطلقا، فقد فهمه أكثر الصحابة الذين عرفوا سياق القصة وأدركوا أحداثها على أنه رخصة خاصة بسالم مولى أبي حذيفة .
وفيما يلي نص الفتوى :
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله: الذي عليه عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء المتبوعين من أئمة المذاهب الأربعة أن رضاع الكبير لا تثبت به الحرمة، ولا اعتبار به، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233 يقول الإمام الشافعي رحمه الله: " والدليل على ذلك قول الله جل ثناؤه: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) فجعل الحولين غاية، وما جعل له غاية فالحكم بعد مضى الغاية خلاف الحكم قبل الغاية " انتهى. " مختصر المزني " (ص/227) أي أن الحد الذي ينتهي به حكم الرضاعة هو الحولان، فما كان قبل الحولين تثبت به حرمة الرضاع، وما كان بعدهما فلا تثبت به أحكام الرضاعة من الحرمة ونحوها.
ومن الأدلة أيضا على عدم ثبوت التحريم برضاع الكبير ما جاء عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ( دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَالَ يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَ يَا عَائِشَةُ انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ ) رواه البخاري ( رقم/5102)، ومدة السنتين هي مدة المجاعة التي ذكرت في الحديث، وقد قصر النبي صلى الله عليه وسلم الرضاع المحرم عليها، وهذا يدل على عدم ثبوت حكم الرضاعة بعد الحولين.
وعنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ ) رواه الترمذي (رقم/1152) .
وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا.
وأما حديث سالم الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْضِعِيهِ. قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ. وَفِي رِوَايَةِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه مسلم (1453) فهذا الحديث لا يعد إشكالا مطلقا، فقد فهمه أكثر الصحابة الذين عرفوا سياق القصة وأدركوا أحداثها على أنه رخصة خاصة بسالم مولى أبي حذيفة؛ لأنه عاش معهم باعتباره ولدا لهم، وله حكم الأبناء، فلما حُرِّم التبني وصار غريبا عن الأسرة جعل الله له هذه الرخصة، ولذا جاء في بعض روايات الحديث أنه كان يرى من سهلة ما يراه الولد من أمه.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يُدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا ) رواه مسلم (رقم/1454) ولا يفوت التنبيه هنا إلى أن الرضاعة التي وقعت لسالم مولى أبي حذيفة لم تكن عن طريق إلقام الثدي مباشرة، فذلك حرام ولا شك، وإنما كان بحلب اللبن في إناء وسقايته له.
قال ابن عبد البر رحمه الله : " ورضاع الكبير أن يحلب له لبن ويسقاه، أما أن تلقمه ثديها كما يصنع بالطفل فلا؛ لأن ذلك لا ينبغي عند أهل العلم " انتهى. " الاستذكار " (6/255) .
المفضلات