مع آخر أخبار جرائم وجنايات يندى لها الجبين في احدى المناطق التابعة للعاصمة عمان – الأب الذي قتل زوجته وطفليه – و الأخرى في جرش – العجوز السبعينية العزباء التي تعيش وحدها!! حيث ضربها أخوها أولا وتركها تعاني وخرج بكل سلبية ممكنة و مشاعر مجردة من الأخوة أو احترام الكبير !! لتسير الظروف وتأتي الأقدار أن يمر بطريق بابها المفتوح - بعد اعتداء أخيها وخروجه – مجرم من الدرجة الحقيرة دخل بيتها واعتدى عليها جنسيا !! وقتلها ثم أخذ الخمسين دينارا التي بحوزتها وخرج بكل دم بارد – .
هذه الأخبار حسب ما جاء في صحفنا المحلية وما شابهها من قصص تتكرر يقشعر البدن لها ، ويحار المرء فيها ، و يفكر مليا وهو يرى بعض البيوت وقد تحولت إلى منازل آيلة للسقوط، إن لم تكن سقطت فعلا، ولا تجمعهم أي عاطفة أو مودة؟؟ وهو يقرأ عن بيوت وعائلات لا تجمعها في كثير من الأحيان سوى مصلحة البقاء في وضع اجتماعي مقبول، بيد أنهم يعيشون في الواقع في جو من العزلة والانفصال الشعوري؟؟
تخيلوا معي كيف يؤثر هذا الأمر الذي يحدث كل يوم على أطفالنا وعلى مستقبل أجيالنا القادمة بل وعلى نفسياتنا جميعا و على أدائنا المهني ، وما الذي ننتجه لمجتمعنا وأمتنا من تلك البيوت؟؟؟ وحيث أننا متخصصون في قلة الدراسات أستعين هنا بدراسة غربية أجراها باحثون بجامعة بنسلفانيا الأمريكية شملت حوالي مائتي أسرة و تضم أطفالاً ما بين الصف الأول والرابع الابتدائي؛ لتقييم مدى تأثير تصرف الوالدين وعلاقاتهم الأسرية على نمو الطفل، فوجدوا أن ضغوط العمل والمشكلات الأسرية وما ينجم عنها من أزمات نفسية للأطفال، يمكن أن تعرقل وسائل التواصل النفسي بين الأبوين وأطفالهم على رأيهم. وهؤلاء الأطفال الذين ينشؤون في هذا المناخ يصبحوا جاهزين للانحراف حين يجدون الفرصة مناسبة. وفي دراسة أخرى لاحظوا أن نسبة 50% من عينة الدراسة غير راضية عن وضع الأسرة، و50% أفادت بأن ثمة شجاراً دائماً بين الأب والأم، وأن 32% لا يهتم بهم أحد في المنزل، ولا يقف حجم المأساة عند ذلك الحد.
وعندما ننظر إلى حال الأسرة كما كتب مرة طلال الناصر.. نجد أنه تقلص فأصبحت الأسرة صغيرة تضم الزوج والزوجة وابنهما أو ابنتهما، وتقدّم لهم خدماتهم الفندقية (خادمة ذات سبع صنايع.. ولكن النتيجة ضائعة..) وبالتالي نجد، وبفعل هذا الوضع الاجتماعي، الجد والجدة أو الأب والأم وحيدين في منزلهما، وزيارتهم أصبحت مجرد (برستيج) وتغييرا للجو (شمة هوا) وليست براً واستشعارا لأهمية الوالدين والمحافظة عليهما.. عندما ننظر بشكل علمي نجد أن الدراسات العلمية تثبت أنه كلما كان المنزل يضم الجد والجدة أو الأم أو الأب أو أحدهما، فإن عامل الاستقرار التربوي والعاطفي يكون أكثر، ويساعد على نجاح الحياة الزوجية بين الزوجين، ويجعل التكيف أكثر بينهما، وبالتالي نجد أن الأب والأم يشعرون بأهميتهم، وأن أبناءهم يبرون بهم وهم أمام أعينهم. فهي ليست فائدة اجتماعية ونفسية واحدة فقط، بل ذات فوائد عديدة، ولكن الغزو الثقافي، والتحديث، والمسابقة على توفير الكماليات من الاحتياجات قبل الأساسيات، وإعجابنا بأفكار غربية ليست وليدة مجتمعنا، بل هي وافدة إلينا بكل ما تعنيه كلمة وافدة!! كل ذلك يعمل على تقبل أفكار تعمل على تفكك الأسرة... وتعمل على الانحلال الخلقي.. وتضعف من الوازع الديني... إلى درجة أنها تصل بنا إلى نبذ الوالدين وإهمالهما.
أهل الاختصاص من علماء اجتماع وأطباء نفسيين، يتحدثون بصراحة، وبناء على دراسات علمية محكمة، وقراءات تحليلية لواقع كثير من الأسر والمجتمعات، أنه إذا استمر وضع بعض الأسر هكذا، يمكن أن تنتج لدينا مشكلات عديدة من أبرزها:خروج جيل حاقد على المجتمع ؛لفقدان الرعاية منه، وإنتاج مجتمع فاقد للهوية، ولديه ذوبان كلي في الآخر، وزيادة في نوع وكم الجرائم، مع عدم الشعور بالمسؤولية، فيما تستمر أخلاقيات المجتمع بالانحطاط -لا قدر الله- وتتدهور سمعة الأمة وهيبتها.
فيا ترى، هل تعيد مؤسساتنا التربوية والإصلاحية قراءتها لهذه الواقع، وتعالجه بصراحة، دون كلام منمق، ومبالغات لا معنى لها في الحديث عن مجتمعنا، وأنه بخير، وأمورنا بأحسن حال، وهذه حالات لا تذكر، وكأننا نقول (عنزة ولو طارت)
عدنان حميدان
المفضلات