قال الإمام السعدي رحمه الله :
- قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ) ...لما أخبر تعالى أنه مع المؤمنين ، أمرهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي يدركون به معيته ، فقال : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله " بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما . " ولا تولوا عنه " أي : عن هذا الأمر الذي هو طاعة الله ، وطاعة رسوله ، " وأنتم تسمعون " ما يتلى عليكم من كتاب الله ، وأوامره ، ووصاياه ، ونصائحه ، فتوليكم في هذه الحال من أقبح الأحوال . " ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون " أي : لا تكتفوا بمجرد الدعوى الخالية ، التي لا حقيقة لها ، فإنها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله . فليس الإيمان بالتمني والتحلي ، ولكنه ما وقر في القلوب ، وصدقته الأعمال .
- وقوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ... يقول تعالى : " إن شر الدواب عند الله " من لم تفد فيهم الآيات والنذُر ، وهم " الصم " عن استماع الحق " البكم " عن النطق به ، " الذين لا يعقلون " ما ينفعهم ، ويؤثرونه على ما يضرهم . فهؤلاء شر عند الله ، من شرار الدواب ، لأن الله أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ليستعملوها في طاعة الله ، فاستعملوها في معاصيه وعدموا ـ بذلك ـ الخير الكثير . فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية ، فأبوا هذا الطريق ، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية . والسمع الذي نفاه الله عنهم ، سمع المعنى المؤثر في القلب ، وأما سمع الحجة ، فقد قامت حجة الله تعالى عليهم ، بما سمعوه من آياته ، وإنما لم يسمعهم السماع النافع ، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته . " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم " على الفرض والتقدير " لتولوا " عن الطاعة " وهم معرضون " لا التفات لهم إلى الحق ، بوجه من الوجوه . وهذا دليل على أن الله تعالى لا يمنع الإيمان والخير ، إلا عمن لا خير فيه ، والذي لا يزكو لديه ، ولا يثمر عنده . وله الحمد تعالى والحكمة في هذا .
- وقوله تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ... يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو : الاستجابة لله وللرسول ، أي : الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك ، والدعوة إليه ، والاجتناب لما نهيا عنه ، والانكفاف عنه ، والنهي عنه . وقوله " إذا دعاكم لما يحييكم " وصف ملازم ، لكل ما دعا الله ورسوله إليه ، وبيان لفائدته وحكمته ، فإن حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ، ولزوم طاعته ، وطاعة رسوله ، على الدوام . ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال : " واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " فإياكم أن تردوا أمر الله ، أول ما يأتيكم ، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك ، وتختلف قلوبكم فإن الله يحول بين المرء وقلبه ، يقلب القلوب حيث شاء ، ويصرفها أنى شاء . فليكثر العبد من قول : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب ، اصرف قلبي إلى طاعتك » . " وأنه إليه تحشرون " أي : تجمعون ليوم لا ريب فيه ، فيجازى المحسن بإحسانه ، والمسيء بعصيانه ....
- وقوله تعالىوَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )..."واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " بل تصيب فاعل الظلم وغيره ، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير ، فإن عقوبته ، تعم الفاعل وغيره . وتتقى هذه الفتنة ، بالنهي عن المنكر ، وقمع أهل الشر والفساد ، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن ...." واعلموا أن الله شديد العقاب " لمن تعرض لمساخطه ، وجانب رضاه .
2 *قال تعالى : ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ *فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ (الأنفال : 55 - 58 )
المفضلات