وفاة الكاتب الكبير الدكتور لويس عوض عن 76 عاما 1960
من مواليد 5/1/1915 بقرية شارونة مركز مغاغة – محافظة المنيا 0 حاصل علي ليسانس آداب قسم " لغة إنجليزية "عام 1937، ثم حصل علي الدكتوراه في الأدبين الفرنسي والإنجليزى من جامعة "بريستون " بالولايات المتحدة عام 1953 0 عاد إلى مصر بعد حصوله على الدكتوراه ، و شارك في العديد من المؤتمرات الثقافية والأدبية التي عقدت بمصر وخارجها 0 من أهم أعماله : مذكرات في كتاب " أوراق العمر " ، وروايته الشهيرة " العنقاء " ومقدمتها التي سجل فيها ما عاشه في سنوات شبابه هذا إلي جانب " ديوان بلوتو لاند وقصائد أخري " ، وكتاب تاريخ الفكر المصري الحديث - مقدمه في فكر اللغة العربية - المسرح العالمي – الاشتراكية والأدب – دراسات أوروبية – رحلة الشرق والغرب – أقنعة الناصرية السبعة – مصر والحرية 000 ) له عدة مسرحيات من بينها : مسرحية " الراهب " 0 كما كون عددا من الجمعيات الأدبية والثقافية 0 حصل علي وسام الاستحقاق من الطبقة الأولي في عيد العلم عام 1996 ، ثم وسام الفارس في العلوم والثقافة الذي أهدته إليه وزارة الثقافة الفرنسية عام 1986 ، وأخيرا جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1988 0 عين أستاذا لقسم الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة ،وبذلك يكون أول أستاذ مصري يرأس قسم الأدب الإنجليزي 0 اختير مديرا عاما لإدارة الثقافة بوزارة الثقافة عام 1958 0 عمل أستاذا زائرا بجامعة كاليفورنيا للأدب المقارن عام 1974 0 في عام 1983 انضم إلى هيئة تحرير القسم الأدبي والفني بالأهرام 0 قدّم لويس عوض للمكتبة العربية ترجمات مهمة متعددة، بدأت منذ الاربعينيات من القرن العشرين، حيث قدم لقراء العربية وكتّابها فن الشعر لهوراس «1945»، وبرومثيوس طليقاً لشيلي «1946»، وصورة دوريان جراي وشبح كانترفيل لاوسكار وايلد «1946»، والوادي السعيد لصموئيل جونسون «1946»، مع ان الترجمة صدرت «1971»، وخاب سعي العشاق لشكسبير «1960»، واجاممنون لاسخيلوس «1966» وانطونيوس وكليوباترا لشكسبير «1967»، وحاملات القرابين لاسخيلوس «1968»، والصافحات لاسخيلوس ايضا «1969»، وأقوال افلاطون في محاورة ايون وفي الجمهورية حول فن الشعر، وكذلك كوميديا الضفادع لاريستوفانس، والتي تعد من أهم مصادر النقد الأدبي وقد ضم هاتين الترجمتين في كتابه نصوص النقد الأدبي «1965». ومن المعروف ايضا ان للويس عوض ترجمة لعمل جورج مور استر ووترز ضاعت كاملة، فضلا عما عبر عنه من رغبته في ترجمة الفردوس المفقود لميلتون والتي لم يتح لها ان تتحقق كما يبدو. كل ذلك في إطار مشروع ثقافي باذخ وواسع ومتعدد الجوانب سؤاله الاساسي كيف السبيل الى نهضة مصر؟ وأول ما يلفت الانتباه، لدى النظر الى ترجمات لويس عوض في مجموعها، هو اقتصارها على الأدب والنقد الأدبي. كما لو ان ما يدفعه هو اختصاصه الاكاديمي فيقف عنده ولا يبرحه. غير ان هذا التفسير يصعب ان يكون مقنعاً ازاء رجل كان متضلعاً اشد التضلع من التراث الغربي كله «فلسفة وفكرا وعلوماً وآداباً وفنوناً وحركات اجتماعية»، وكان ينظر الى كل ذلك في تكامله بعيدا عن صنمية الاختصاص، وكذلك ازاء رجل كان يحمل بين جوانحه «شهوة لاصلاح العالم». لقد عبر لويس عوض، اكثر من مرة، عن رغبته عن قراره، في ان يتسنم سدة «المعلم». واراد بذلك ما يفهم من هذا اللقب حين يطلق على أمثال ارسطو او الفارابي، اي بما يتجاوز دور المدرس العادي الى محاولة الفكر سبر الأغوار وتخطي الحواجز بين المعرفة والحياة. ولقد كان هذا دافعاً اساسياً وراء اختيارات لويس عوض في الترجمة، كما كان دافعاً اساسياً وراء مشروعه بأجمعه. والسؤال، اذن، اما كان يمكن لهذا «المعلم» ان يترجم سوى الادب والنقد الأدبي؟ وهل كان لهذه الترجمة الأخرى ان تزيد في اقترابه من مفهوم «المعلم» ام العكس؟ لماذا لم يتصد لترجمة رأس المال، على سبيل المثال، شأن راشد البراوي الذي صدرت ترجمته لهذا الكتاب متزامنة مع صدور ترجمة لويس عوض لعمل شيلي برومثيوس طليقاً؟ لماذا اقتصرت ترجمته من أفلاطون على ما يخص الادب والنقد الادبي؟ ربما كان لنا ان نجد التفسير في مكان اخر لا يتناقض مع دور المعلم هذا، وانما يبين ان هذا المعلم قد اراد ان يعلم من خلال الادب والفن في المقام الاول. وهذا المكان، او هذا التفسير، هو رؤية لويس عوض للأدب والفن، والتي تمثل لبابا اساسيا في فكره. فإزاء التصنيف القيمي للمعارف الانسانية وتحديد مكانة الادب بين مظاهر النشاط الذهني، كان لويس عوض قريبا من ارسطو ومن شيلي. فرأى، مثل ارسطو، ان الادب والفن ادنى الى روح الواقع من التاريخ وأدنى الى روح الحق من الفلسفة. بخلاف التاريخ، يعنى بالكلي، ويلجأ الى التعميم ويصوّر النماذج العليا عن طريق الانتخاب والتعميم والتخييل. وهو يحمل محمول الفلسفة ذاته، لكنه يقرنه بالمتعة ويتعدى الاقناع الى الحث على العمل. ورأى، مثل شيلي، ان الادب، والشعر بخاصة، اسمى وجوه النشاط البشري نظرا لشموله نواحي النشاط الانساني كافة، حتى انه اعلى نقطة تبلغها المعرفة الوضعية والعلوم الزمنية حين تتخلص من اشتغالها بالجزيئات وتبدأ في الاتصال بأسرار الوجود العليا. والحق ان انشداد لويس عوض الى الكليات ميزة اساسية من مزايا ادراكه. فهو اذ ينظر في اوجه الشبه والاختلاف بينه وبين مندور، يجد ان ذكاء الاخير كان ذكاء تحليلياً يفتت كليات الحياة الى جزيئات صغيرة ناصعة، وذلك بخلاف ادراكه هو، حيث كان «ادراكاً تركيبياً لا يرى الشيء واضحاً الى على البعد ويلف كل شيء بضباب المطلقات والمقولات الكلية». وعلى الرغم من تبين لويس عوض ان دور الادب والفن ووظيفتهما الاجتماعية قد تغيراً في العصر الحديث، الا انه لا يبين في اي مكان ان ذلك قد اثر على قيمة الادب الجوهرية. فمنطق الفنون والآداب، بحسب لويس عوض، اقوى منطق توسلت به الانسانية تحقيق حلمها العظيم بالاخاء الانساني، ذلك الحلم الذي تعيش فيه بصورة متقطعة، ولكنها تعيش فيه وتجدده بين الحين والحين، آنا عن طريق الدين، وآنا عن طريق المذاهب السياسية والاجتماعية والاقتصادية وآنا عن طريق التجارب العلمية.. غير ان منطق الفنون والآداب هو الأقوى، اذ يستطيع ان يتخطى جميع الحواجز. وما دام الفن كالحياة ذاتها: محيط بلا قاع وبحر بلا شطآن وكون بلا سقف او حدود، وما دامت التجارب الكبرى (كالفردية البرجوازية، مثلاً) لا تلتمس في كتابات الاقتصاديين وعلماء الاخلاق والاجتماع والسياسة والنبات والحيوان وحدها، بل تلتمس كذلك في ادب الادباء من شعر ونثر، وما دام منطق الادب والفن هو الاقوى، فلماذا لا يكتفي المترجم والمعلم بالعمل على هذا المنطق، بدلاً من ان يخفض قيمة عمله بالاشتغال على التجليات الاضعف لحلم الانسانية الكبير؟ والحال ان رؤية الويس عوض للأدب والفن لا تنفصل عن المذهب الانساني (humanism) الذي كان بمثابة الثابت في فكره، على الرغم من كل المؤثرات التي اعترت هذا الفكر من هنا او هناك. ويقوم هذا المذهب على ركيزتين اساسيتين، اولاهما هي فكرة الحرية النابعة من ان الانسان قيمة في ذاته، مما يضع الحق الطبيعي في مواجهة الحق الالهي ويضع هذا المذهب في مواجهة الثيوقراطية اساساً. اما ثانيتهما فهي فكرة وحدة الوجود الانساني، او وحدة الحياة، بما يعني وجود جوهر انساني واحد، وبما يجعل للعالم عقلاً واحداً، وقلباً واحداً، وضميراً واحداً. فاذا ما كان لويس عوض اشتراكياً، فإن اشتراكيته، كما يصفها، انسانية رحيبة، تؤلف بين نقائض الحياة وتنظر الى الانسان، اولاً وقبل كل شيء، على انه انسان لا على انه عامل او فلاح او طبيب او سواه. وذلك بخلاف الاشتراكية الماركسية المنافية لها، والتي ترفض الاعتراف بأية قيم انسانية جوهرية تتجاوز العصور وتجب الحضارات وتتعدى الطبقات. وبحسب هذه النظرة، يغدو المهم لدى الفنان او الاديب ان يعرف كيف يترجم التجارب المادية المحدودة بحدود الزمان والمكان الى تجارب انسانية تمس جوهر الانسان وتتصف بصفة الشمول العظيم. وبكلام ادق، يغدو على الفنان او الاديب ان يكون مثل شيلي الذي حين يفكر في الاستبداد لا يفكر في الاستبداد الجزئي الموقوت الذي نراه لدى هذا الملك او ذاك الحاكم، وانما يفكر في الاستبداد الكامل النموذجي، او الاستبداد الافلاطوني الذي اقتبس منه كل استبداد. هكذا يغدو الفن والانسان عند لويس عوض، ركعتين في صلاة واحدة، كما يقول محمود امين العالم. وهكذا يغدو الكلام ممكناً على طبيعة مصرية او عقلية مصرية او تكوين نفسي مصري، يقوم في اساسه على الاعتدال ويمثل المبدأ الثيوقراطي مبدأ اجنبياً بالنسبة له. كما يغدو الكلام ممكناً على الروح الديمقراطية التي تجلت في شيلي اكثر مما تجلت في اي شاعر اخر، وعلى تلك التركة من التراث المشاع من الفن والادب والفكر العظيم الذي لا وطن له، لكنك لا تجده اوضح واشمل ما يكون الا في باريس بالذات وبين الطبقات المثقفة وحدها في عواصم البلاد الاخرى. وما دام الاساس هو عالم الجواهر المتجددة عبر كل مراحل التاريخ وتقلباته، فأنى للمؤرخين او العلماء او الفلاسفة ممن يعيشون في عالم الاعراض ان يكشفوا عن هذه الجواهر خالصة نقية مثل الفنانين والادباء الذين تعتريهم تلك النوب التي تحيل نفوسهم الى فن خالص لا غش فيه ولا حيوانية، فترتاد نفوسهم اقطاب الحياة، وما بعد الحياة؟ ولماذا نضيع الوقت في ترجمة الاعراض غافلين عن الجواهر؟ هذا بعض مما يمكن للانكباب على «سياسات الترجمة» ان يكشفه عند لويس عوض ومفاده ما يتركه فكر المترجم وايديولوجيته من اثر على اختياراته. بيد ان الامر لا يقتصر على ذلك وحده. اذ يمكن لهذا الانكباب ان يكشف ايضاً عن ان لويس عوض، بعد ان اختار الادب لترجمته، اختار من هذا الادب، الى جانب «ما يعلم» وفيه، والى جانب ما يمثل مفصلاً من مفاصل التراث الادبي الغربي وفيه، كل ما ينضح بنقد الحياة. بدءاً بأوسكار وايلد محطم الاصنام القديمة على الرغم من كونه رأس مدرسة «الفن للفن»، وصولاً الى ت. س. اليوت. سيد الهادمين، على الرغم من رجعيته الاكيدة، فما بالك بشكسبير، وخاصة بشيلي؟ كما يمكن لهذا الانكباب ان يكشف ان اداء لويس عوض في الترجمة بمعناها الحرفي، قد جمع اسلوب المعلم في تقريب الاصل وتوضيحه الى اسلوب الفنان الخالق لغة وبلاغة. وان معارفه التي تكاد ان تكون خارقة في التراث الغربي، والعربي، وسياق النص الثقافي والتاريخي، وسياق الترجمة في مصر، فضلاً عن روحه النقدية، قد تجلت جميعاً فيما قدمه لترجماته او ذيلها به او كتبه الى جانبها، بما يرفع كل قلق قد يكتنف النص المنقول. وان هذا الفعل قد ترتبت عليه اثار بالغة الاهمية، ابرزها ما ارتبط بترجمة لويس عوض، منذ اربعينيات القرن الماضي، من وضعه الاسس النظرية لمنهج في النقد يوضح العلاقة الاكيدة بين الادب وروح العصر، وكذلك ما كان لعمل لويس عوض على شيلي واليوت، ترجمة وكتابة، من اثر بالغ على ظاهرة من اهم ظواهر تاريخنا الادبي المعاصر، هي ظاهرة الشعر العربي الحديث، حيث يشار الى تأثير عوض على بدر شاكر السياب خاصة وشعراء الحداثة العربية عموماً. ولعل الاهم من كل هذا ان للانكباب على سياسات الترجمة عند لويس عوض ان يكشف عما يقف وراء كل هذه الامور من علاقة تربط الترجمة والمترجم بالاسئلة التي طرحها السياق الاجتماعي والثقافي الذي عاش واشتغل فيه. سياق الاربعينيات من القرن العشرين، الذي يكاد يجمع على وصفه بانه سياق الازمة في الثقافة المصرية، بل في الحياة المصرية بأكملها. وهو السياق الذي اختار فيه لويس عوض، بين الاشتراكية الماركسية والدعوة الثيوقراطية، ان يكون واحداً من قلة قليلة مثلت امتداداً لتقاليد رواد النهضة، بمذاق جديد وفي مناخ جديد، حاملاً معه ما كان قد حمله اولئك الرواد من رهان على الثقافة والتربية المستنيرة وعلى قلة من المستنيرين لا تكاد تجد من يصغي الى خطابها المستنير. هذا ما يمكن للانكباب على سياسات الترجمة ان يكشفه لدى لويس عوض. ذلك ان سياسات الترجمة، تشير، بشيء من التوسع، الى ما تنطوي عليه الترجمة من مؤثرات ومقاصد وما يتأتى عنها من مفاعيل، مما يتعلق بالسياق الذي تتم فيه واسئلته التي تأتي هذه الترجمة استجابة لها، وشكل هذه الاستجابة او نوعها اذ تتأثر بايديولوجية المترجم وجماع تكوينه المعرفي الذي يؤثر على خياراته كما يؤثر على ادائه ومقاصده، ومدى التطابق بين ما يتوخاه لترجمته من اثار ومفاعيل وما يتحقق فعلاً، سواء على صعيد الذات ام على صعيد العلاقة بالاخر، ما ان يتموضع النتاج في سياقاته المستقلة. واذا كان من الواضح ان هذا النوع من البحث ينظر الى الترجمة على انها ضرب من المشروع، فانه لا يغفل عن ان كثيراً من افعال الترجمة هي اوهى من ان تعلوا لمثل هذه المقاربة بتمامها. غير ان ترجمة لويس عوض ليست من هذا الصنف الاخير. فهي اقرب الى المشروع المتكامل والاساسي ضمن مشروع اكبر يمثل له مجمل نتاجه. وهو مشروع قوامه الدعوة الى قيم الحرية والحوار واعمال العقل وتجاوز الرواية والاستظهار الى الدراية الناقدة المحرضة على الابداع. توفي في 9/9/1990 0
المفضلات