الطاقة المستدامة في الوطن العربي.. طموح وتحديات
الشارقة - طارق الحميدي - أظهر التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) حول الطاقة المستدامة، الذي سيتم إطلاقه رسميا اليوم في المؤتمر السنوي للمنتدى في الشارقة، والذي حصلت «الرأي» على نسخة منه أن الدول العربية، إذا التزمت بسياسات واستثمارات ملائمة، ستكون عضواً فاعلاً في مجتمع الطاقة النظيفة العالمي.
وعلى رغم أن هناك بوادر لعدد من المشاريع الطموحة في الوطن العربي والذي اشار لها التقرير إلا أن هناك العديد من التحديات التي ما تزال تقف عائقا في وجه الوصول الى الحصول على الطاقة المستدامة في الوطن العربي.
ومن خلال التقرير فإن الالتزام بسياسات الطاقة المستدامة قد تخلق المزيد من فرص العمل للعاطلين عن العمل، وتصدّر الطاقة المتجددة إضافة إلى النفط والغاز, في حال تجاوزت دول المنطقة هذه التحديات وتفوقت عليها.
ويفتتح المؤتمر السنوي للمنتدى في الجامعة الأميركية في الشارقة، برعاية عضو المجلس الأعلى للإمارات وحاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ,ورئيس مجلس ادارة المنتدى رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عدنان بدران وبمشاركة أكثر من 800 مندوب بينهم وزراء ورؤساء شركات ومدراء عامون لمنظمات إقليمية ودولية وباحثون من جميع أنحاء العالم.
ووجد التقرير أن أنظمة الطاقة في المنطقة العربية، التي تهيمن عليها أنواع الوقود الأحفوري، هي أنظمة غير مُستدامة سواء من الناحية الاقتصادية أم البيئية أم الاجتماعية. وعلى رغم أن مستويات كثافة استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون للفرد هي من بين الأعلى عالميّاً، فإن نحو 35 مليون عربي لا يحصلون على خدمات طاقة حديثة، وبشكل خاص الكهرباء.
غير أن المنطقة العربية، بخلاف الكثير من مناطق العالم، تنعم بوفرة مصادر الطاقة النظيفة المتجدّدة، وعلى رأسها الشمس والرياح. ومن شأن هذه المصادر المتجدّدة، بالتوازي مع اعتماد التقنيات الأنظف وتحسين كفاءة الطاقة، أن تساهم في تنويع الطاقة وتعزيز استدامتها في المستقبل.
وأشار التقرير الى أن إيرادات النفط والغاز تعتبر مصدر الدخل الأساسي في معظم الدول العربية، خصوصاً في منطقة الخليج. ويشكل قطاع النفط والغاز ما يصل إلى 36 في المئة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العربي. وتتراوح نسبة إيرادات المواد الهيدروكربونية من مداخيل صادرات معظم الدول العربية المنتِجة بين 33 في المئة في اقتصاد الإمارات المتنوّع نسبيّاً، و88 في المئة في الاقتصادات المعتمدة بشكل كبير على التصدير مثل السعودية وقطر، وتتجاوز 97 في المئة في الجزائر والعراق.
وحول الية الاستفادة من عوائد النفط بشكل مستدام أظهر التقرير أنه وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة، شهدت بلدان مجلس التعاون الخليجي، وهي الدول العربية الرئيسية المصدّرة للنفط، تحوّلات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة. وتمّت الاستفادة من مداخيل النفط في تحديث البنية التحتية وخلق فرص العمل وتحسين مؤشرات التنمية البشرية. إلا أن عائدات النفط، من ناحية أخرى، لم تؤدِّ إلى تحقيق التنوع الاقتصادي بالقدر الذي يطمح إليه الكثير ، ممّا جعل معظم البلدان معتمداً، بشكل استثنائي، على إيرادات النفط التي أثبتت أنها متقلّبة إلى حدّ كبير.
وبين أن الاضطرابات السياسية التي أطاحت بعدّة أنظمة عربية كشفت عن مدى تأثّر إمدادات النفط الإقليمية بالقلاقل السياسية خلال الأزمات التي تعصف بالمنطقة. بيد أن النفط لا يزال أهم الموارد الطبيعية في العالم العربي، وتشير كل الاحتمالات إلى استمرار هذا الوضع في المدى المنظور.
وأضاف التقرير أن المخاوف المتعلّقة بتغيّر المناخ يمكن أن تؤدي إلى تحوّلات في أسواق الطاقة العالمية نحو مصادر طاقة نظيفة أكثر كفاءة وأقلّ إنتاجاً للانبعاثات الكربونية. وقد بدأ تحول كبير في مواقف مفاوضي المناخ من بلدان رئيسية مصدرة للنفط والغاز، خصوصاً السعودية والإمارات وقطر، إذ باتت هذه البلدان تدرك أن خطة للتحول السلس باتت محتومة وضرورية، ويجب أن تشمل تنويعاً للاقتصادات الوطنية وتعاوناً إقليمياً واسع النطاق، بما في ذلك التعاون في البحث والتطوير.
واعتبر التقرير أن استغلال جزء أكبر من عائدات النفط والغاز في تعزيز الأبحاث والتكنولوجيا، والاستثمار في الموارد البشرية الوطنية. من جهة أخرى، يُتوقع أن تكون البلدان العربية من البلدان الأكثر تأثراً بتغيّر المناخ في العالم، خصوصاً في ما يتعلق بارتفاع مستويات البحار وموجات الجفاف. ومن أجل أن تتأهل للمساعدة الدولية في إجراءات التكيّف، عليها أن تؤدي دوراً جدياً في عمليات التخفيف من حدة تغيّر المناخ.
وأشار التقرير أن الاقتصادات العربية تعتمد على النفط والغاز لتلبية أكثر من 97 في المئة من الطلب على الطاقة, مضيفا أن الارتفاع الحادّ في الطلب المحلي على الطاقة يعني زيادة في استنزاف النفط المنتَج في المنطقة، وتحويل جزء متزايد منه إلى السوق المحلية بدل التصدير. ويقدر بعض المحللين أن الدول العربية المنتجة للنفط يمكن أن تخسر ما يصل إلى 90 دولاراً في كل برميل نفط يُستهلك محليّاً بدلاً من تصديره.
وأشار التقرير ايضا الى أن ما ينطبق على ملف النفط ينطبق أيضاً على إنتاج الماء والغذاء، حيث تؤدي الطاقة دوراً محورياً، سواء في تحلية المياه أو استخراج المياه الجوفية، ما يستهلك 50 في المئة من إجمالي الطاقة في بعض البلدان.
وبين التقرير أن كفاءة الري في المنطقة العربية ككل لا تتعدى 40 في المئة، فيما يبلغ معدل كفاءة الطاقة أقل من 50 في المئة.
ووجد التقرير أن تضافر إجراءات كفاءة المياه وكفاءة الطاقة يمكن أن يوفر ما يصل إلى نصف الطاقة المستهلكة حالياً، ويحافظ في الوقت ذاته على مستويات الإنتاج نفسها, وأن الدعم غير المقيد للطاقة والمياه، الذي يصل إلى 95 في المئة في حالات كثيرة، هو العقبة الرئيسية أمام تحقيق نتائج ملموسة بهذا الخصوص. ويزداد الأمر سوءاً مع خسائر بنسبة 19,4 في المئة في توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها، ما يفوق ضعفي المعدل العالمي البالغ 8,3 في المئة.
من ناحية أخرى، اشار التقرير الى أن سوق الطاقة المتجددة تشهد توسعاً سريعاً، وقد أعلنت بلدان عربية كثيرة عن مشاريع وسياسات لاستغلال وفرة الطاقة المتجددة في المنطقة, فالسعودية تخطط لتلبية 33 في المئة من احتياجاتها الطاقوية المحلية من مصادر متجددة بحلول سنة 2032.
واعتبر التقرير ان مشاريع الطاقة الطموحة في الوطن العربي مثل «شمس 1» في أبوظبي هي اليوم أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، إذ تبلغ قدرتها 100 ميغاواط. وقد بدأ العمل في محطة «نور 1» للطاقة الشمسية المركزة في المغرب بقدرة 160 ميغاواط. وبلغ مجموع الاستثمارات الجديدة في مصادر الطاقة المتجددة عام 2012 نحو 1,9 بليون دولار، ما يوازي ستة أضعاف مجموع الاستثمارات في العام 2004.لم تجد الدعم غير المنضبط للكهرباء والوقود يمنع التطوير الواسع النطاق للطاقة المتجددة ولا يشجع استثمارات القطاع الخاص.
وبين أن كلفة الفرصة البديلة لاستمرار الوضع القائم، في اقتصاد غير متنوع إلى حد كبير، لا يمكن تعويضها، عدا عن أنها تعطل فرص التنمية المستدامة. وهذا يطرح السؤال الآتي: ما هو الدور الذي يجب أن يؤديه النفط في الاقتصادات العربية على المدى الطويل؟ على البلدان العربية المنتجة للنفط أن تضع حوافز لنشاطات القطاع الخاص لا تكون محصورة بالنفط والصناعات المسرفة في استهلاك الطاقة.
وأكد أنه ومن أجل تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، أعلن عدد من البلدان العربية عن خطط لاضافة الطاقة النووية الى المزيج الطاقوي. والدافع إلى هذه الخطط إما تحقيق تنوع وأمن طاقويين في البلدان المصدرة للنفط كما في الإمارات، أو التعويض عن الافتقار إلى أنواع الوقود التقليدية كما في الأردن.
وشكك التقرير في قدرة الدول العربية على ادارة كامل دورة حياة الطاقة النووية مشيرا الى أن المسائل الأساسية المتعلقة بالسلامة بحاجة إلى معالجة.
واعتبر أن أمن الإمدادات يصطدم بشروط مفروضة تمنع التخصيب محلياً, مستنتجا أنه إذا كان تخفيض الانبعاثات الكربونية هو التحدي الرئيسي الذي يواجه حرق الوقود، فإن السلامة والأمن والتخزين الدائم للنفايات المشعة هي التحديات التي تواجه خيار الطاقة النووية. وأي تقييم للكلفة الحقيقية يجب أن يشمل جميع هذه العناصر.
وأكد أن التحدي الرئيسي هو قدرة البلدان العربية، خصوصاً المنتجة للنفط، على إدارة الطلب على الطاقة لتلبية النمو المتسارع، واعتماد سياسات إنمائية تؤدي إلى التقدم وتحسين نوعية الحياة، ضمن مستويات مستدامة. وقد وجد تقرير للمنتدى حول البصمة البيئية في البلدان العربية أن العرب يستهلكون ضعفي ما تستطيع نظمهم الإيكولوجية تجديده. وتبين أن لدى ثلاثة بلدان عربية، هي قطر والكويت والإمارات، أكبر بصمة بيئية في العالم. ولو عاش الجميع كمقيم عادي في قطر مثلاً، لاحتاج البشر إلى 6,6 كواكب.
ويتساءل التقرير كيف تستطيع البلدان العربية أن تعزز استدامة قطاعات الطاقة لديها، في السياق الأوسع للتنمية المستدامة، يؤكد أن اقتصاد الطاقة النظيفة بات يعتبر من الفرص الاقتصادية والبيئية العالمية الكبرى في القرن الحادي والعشرين.
ويدرك القادة على المستويات المحلية والوطنية حول العالم أن في وسعهم، من خلال استخدام طاقة مأمونة وموثوقة ونظيفة، إيجاد وظائف وأعمال ومشاريع، وتعزيز أمن الطاقة، وتحسين نوعية الهواء والصحة العامة، وتخفيف آثار تغيّر المناخ.
ويخلص تقرير «أفد» إلى التأكيد أنه من خلال الالتزام الطويل الأجل والسياسات والاستثمارات الصحيحة، يمكن للبلدان العربية الانضمام إلى النادي العالمي للطاقة النظيفة، وإيجاد فرص عمل دائمة لمواطنيها، وتصدير الطاقة المتجددة إضافة إلى النفط والغاز.
الاثنين 2013-10-28
المفضلات