سأضرب عصفورين بحجر واحد .. الأول هو بر الوالدة و صلتها ، و الثاني هو الاستمتاع بوجبة غداء لذيذة و دافئة .. لذلك توجهت في زيارة خاطفة إلى بيت الحاجة أم خالد ، و ما كدت أدخل البيت حتى صدح المغني الشعبي بموال رائع يتغنى فيه بالأردن و الكرامة و الأم الأردنية .. فطربت و ما شوقا إلى البيض أطرب ؟! و قلت لأمي : أصبت أيما إصابة بولائك الأصيل للتلفزيون الأردني ، فرغم أن الحاجة والدتي تمتلك جهازي (ساتلايت) إلا أنها تصر إصرارا عجيبا على عدم متابعة أية قناة فضائية سوى التلفزيون الأردني ، و برامج التلفزيون الأردني ، و مسلسلات التلفزيون الأردني ، و أخبار التلفزيون الأردني .. لا أدري ! ربما لأنها معجبة كثيرا بعنعنان و نحنحات عساف الشوبكي ، و الجبين الوضاء الصافي لغالب الحديدي !
و لكن فجأة ، و بعد هذا الموال الشعبي الرائع .. طلع علينا مجموعة من الشباب و الشابات و صرخوا في وجهي : I .. (آي) .. شباب !
قفزت إلى الوراء و استوعبت الصدمة للوهلة الأولى ، و لكن بعد لحظات جاءت الفقرة التالية من برنامج الشباب المتوجع بقوله (آي) و كأن أحدهم قرصه قرصة موجعة من .. ، أو كأنه يعبر عن نفسه فيقول (أنا) و لكن للأسف ليس بلغته التي شب عليها ، و لا بلغة أرضه و ترابه الذي يتكلم العربية و يغني ليل نهار (الأرض بتتكلم عربي) ، و لا بلغة حضارته العربية و تاريخه الهاشمي المبين ..
جاءت الفقرة و ليتها ما جاءت .. مجموعة من الراقصين الأردنيين و الراقصات ، يضع كل منهم يده على خصر الآخر و يقترب الخصر من الخصر في حركات رشيقة و رهيفة في صالة لم يوضح لنا البرنامج ما هي ؛ هل هي ناد للرقص أم ملهى ليلي أم ..؟!
ثم قامت مقدمة البرنامج بعمل لقاءات مع ثلاثة من المشرفين على هذا المرقص "شابان" و شابة .. و كانوا يتكلمون ثلاثتهم بلغة الآي "I " أيضا .. الشابة نصحت الآنسات و السيدات بضرورة ممارسة هذا النوع من الرقص لأنه يعلمهن المشية الأنثوية الجذابة .. أما "الشابان" فقد أمسك أحدهما حذاء أنثويا مرتفع الكعب و أخذ يشرح عن ميزاته أمام عدسة التلفزيون الأردني و يلويه مستدلا على مرونته و طراوته و رشاقته و بلغة الآي "I " أيضا .. و هنا تذكرت جدتي "حمدة" و حذاءها المسمى "بلغة" أو "مركوب"!
و قلت في نفسي لوكانت "حمدة"هنا لأمسكت بلغتها و مركوبها و لطشت به كل من باع لغة الضاد و اشترى بها لغة الآي " I" .. مع الاحترام .
مقال بقلم: المهندس هشام خريسات مدير العلاقات العامة في نقابة المهندسين
المفضلات