الزلمه والحيّه
صور تراثيه شعبية من وحي القرية القديمة
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
ممنوع وضع اى ايميل
من كتاب (الحكاية الشعبية) للدكتور نمر سرحان حكاية (الزلمه والحيّه) ، وتقول الحكاية :
كان هناك حطابأ يسرح كل يوم ويجمع بعض الحطب ، ويشتري بالقروش القليلة ما يقيم أود أسرته ، والحياة تكر أيامها مثل حبّات السبحة ...!!!
وفي ذات يوم من الأيام قال لزوجته أن حماره قد هرم ، ولم يعد قادرا على العمل ، وهو يفكر ببيعه ، ودفع زيادة على ثمنه ليشتري حمارا آخر ، وباركت زوجته الفكرة ، وطلبت منه الذهاب ، فذهب إلى سوق الحلال ، وباعه بعشرة دنانير ...!!!
كان أحد الناس يقف في السوق ، ومعه علبة مغلقة مِلأ الحضن ، وكان ينادي عليها ليبيعها قائلاً : من يشتري علبة تضره ولا تنفعه؟؟
وتقدم صاحبنا الحطاب وسأله عن ثمنها ، فأخبره أن ثمنها عشرة دنانير !!!
واشترط عليه صاحب العلبة إذا كان يريد السلامة ، أن لا يفتحها إلا في الخلاء بعيدا عن أفراد أسرته ، وقبض العشرة دنانير وعاد سالما غانما ، ومشى الحطاب بالعلبة التي تضر ولا تنفع ، وقد اشتراها بثمن الحمار الذي كان كل ما يملك من حطام الدنيا ...!!!
وذهب إلى الخلاء وفتح العلبة ، فإذا بداخلها حية كبيرة، يطلق عليها اسم (الباهشة) لضخامتها ، وما أن رفع الغطاء حتى قفزت وأمسكت أذنه ..!!!
فتوسلها راجيا (دخلك بعرضك افلتيني ارخيني) ، ولكنها قالت له (ما بفلتك ولا برخيك) فتوسلها أن يتقاضيا عند الجمل (أبو تجّمَل) ، وعندما وصلا إلى الجمل قال له (يا بو تجمل ، الدنيا مسا الله يمسيك بالخير ، أنا رحت شريت ها لعلبه ، أتاري فيها بنت ها لحلال ، راحت مكلبّه بذاني ، الله يخليك احكم لي عليها ترخي ذاني) ، وضحك الجمل من سذاجته وقال : ( أنت هلقيت لمّا اتبرّخني واتدب الحمل في ظهري ، وتبدا فيّ شمط في ها لعصاه ، بالك بترحمني إوعي ترخيه يا حيه ، واطلعي روحه) ؟؟
هنا اقترح الرجل على الحيّة أن يذهبا إلى الثور ليحكم بينهما ، ولا زالت تمسك أذنه، فقالت (ما فيش عندي مانع ، يا لّله عند الثور) ، وذهبا إلى الثور وقال له : (يا أبو تَثّوَر ، شريت ها لعلبه أتاري فيها بنت ها لحلا ل ، راحت مكلبّه بذاني ، الله يخليك تحكم لي عليها ترخي ذاني) ، هنا قال له الثور : (هو إنتَ لمّا تبقى شادد النير على رقبتي ، ومدشرني بالجوع والعطش وتنخوِّز في جنابي بالمنساس ، يا ترى بترحمني ، عندك اياه هاللئيم واوعي ترخي ذانه) ...!!!!
هنا اقترح عليها أن يتحاكما عند الحمار ، فذهبا اليه وقال له : (يا أبو تحّمُر، شريت ها لعلبه أتاري فيها بنت ها لحلا ل ، راحت مكلبّه بذاني ، الله يخليك تحكم لي عليها ترخي ذاني) ، فقال له الحمار : (هو إنت لما تحملني الحمل وتركب على ظهري فوقه ، وتبلش في نخز في المسمار ، بالك بترحمني؟؟ عندك اياه ، إطلعي روحه ، يا محروق روح كل قرايبه قد ما هو ظالم وغاشم)...!!!!!
تحير الرجل من الحيوانات التي أجمعت على إدانته ، ووقفت ضده ، وحار دليله ، إلا أنه رأى ثعلبا (حصيني) ، فقال للأفعى : (هذاك وين أبو حسن ، روحي تنتقاضى عنده) ووافقت الحية على الاقتراح وقالت : (ليش لأ ؟؟ يا لّله تشوف آخرتها معك وين بدها تصفي) ، فصعدا إلى الثعلب ، وألقى عليه التحية وأشار له بكفه أي سأعطيك خمس دجاجات ، فأومأ الثعلب أنه فهم وقبل الهدية وطلب منه أن يقول ما عنده فقال: (يا أبو حسن ، شريت ها لعلبه أتاري فيها بنت ها لحلا ل ، راحت مكلبّه بذاني ، الله يخليك تحكم لي عليها ترخي ذاني) ، فقال له الثعلب : فسأله عن العلبة ، فأخرجها وأراه إياها فضحك ساخرا منه وقال : (إنت بتتخوث علي؟؟ مين بصدّق إنها هذي العلبة بتوسع هذي الحيه؟؟ أي أخرى علبتين قدّها ما وسعنها ، هَيّ العلبة ، وإذا نزلت فيها ووسعتها لخليها تقص نصك وتقرِّط إركبيك ، وهَيّ الميدان يا حميدان)...!!!
وصدقت الحية كلام الثعلب وأغراها الحكم ، فأخذت تلتف على نفسها وتدخل العلبة حتى استقرت في قعرها ، وعندما تم له ذلك وضع غطاء العلبة ووضعها في بطن الجبل تحت صخرة ، ووضع فوق العلبة حجرا كبيرا ، وقال لها : (موتي هون ، الله لا يرد لك سفره ، ولا يقيم عن بطنك شدّه) ، وذكَرّه الثعلب بالشرط ، (آه يا صاحبي ، مش تنسى الجاجات؟؟أنا ترى ما بنمزح معي ، وإذا بدك تضحك علي ، إنت الجاني على حالك)...!!!
ولكن الرجل طمأن الثعلب أنه لا ينكث بوعده ، وحقه في الحفظ والصون ، وعليه أن يتجوع مثل سمك أحمد سعيد للدجاجات...!!!
وعندما عاد إلى بيته سألته زوجته عن ثمن الحمار ، فقال لها : (هصي يا مره ، شرينا بحق لِحمار علبه ، وطلع فيها حيه ، ولولا أبو حسن لِحصيني كان بلعتني وأبو حسن بده مِنّا خمس جاجات بدال ما فلتني من الحيه) ، فقالت : (يا قوم لو أطلعت روحك وريحتني منك !! أقل ما فيها بصير أرمله والناس بصيروا يشفقوا علي ويطعموا ها لقواريط ، بدل ما انت واقفلنا مثل الميه في الزور ، وجاجاتي لا تحلم تصيب جاجه منهن ، روح انقلع عند الجيران كلبتهم والده خذلك خمس اجراوه ووديهن لصاحبك أبو حسن)..!!!!!!!!!
وأجاب الرجل طلبها ، وذهب وأخذ الجراء ، ووضعها في كيس ، وذهب إلى الثعلب ونادى عليه ليأخذ الدجاجات ، ولكنه اشتم رائحة الكلاب فقال له : (خليهن عندك) فرد عليه (بعدين بطيرن) ، فقال له (ما عليك ، دشرهن وروح والله لو يطيرن على كل جبل ريشه غير ألقطهن)........!!! ففتح الكيس وانطلقت الجراء وراء الثعلب وأكلت أذنيه ، ولم تتركه إلا وهو في آخر رمق !!! وهنا هدده الثعلب بالانتقام لو مهما طال الزمان ...!!!!
واقترحت عليه زوجته أن يغير مهنته ويتحوّل من الحطب إلى التجارة ، فأعطته مصاغها الذهبي واشترى حماراً جديدا ، وذهب واشترى قفصان من الدجاج وبيضا ، وحمل الحمولة على الحمار ، وكان الثعلب يراقبه ...!!!
وسبقه الثعلب ورمى نفسه في منتصف الطريق وتظاهر بالموت ، فأخذ يقلّبه لعل فيه حياة ، ولكنه تصرف وكأنه ميت ، فتركه ومشى ، وما أن ابتعد قليلا حتى قام وسبقه وألقى بنفسه في الطريق كما فعل أول مرّة ، وكذلك كرر الفعل للمرة الثالثة ...!!!
وتفكر الرجل بالحكاية وقال لنفسه : (الله يقبرنا أهالينا ، ثلاث حصينيات ميتات!!! هو البلا دابب فيهن ؟؟؟ طيب لو جبتهن وسلخت جلودهن وبعتهن ، مش أحسن لي من هالتجاره اللي مش جايبه همها)...؟؟؟!!!
وربط الحمار وعاد أدراجه إلى مكان الثعلب الأول ،ولكنه لم يجده ولا الثاني ولا الثالث ، ولكنه وجد الدجاج ميتا والبيض مكسرا والحمار مبقور البطن وميت ، والثعلب يجلس على صخر مقابل ، فعاتبه (هيذ يا بو حسن ؟؟ والله ما بقاش العشم)..!!! فقال له الثعلب : (هذا جزاك ولا بكفاك ، لو جبت خمس جاجات بدال جراوة الكلاب كان ما صار اللي صار)...!!!
المفضلات