مكتب الباشا وصفي ومنزل المشير حابس
نعلم ان التخليد والتكريم لابطال كان لهم دور في حياة الامم ، هو من اكثر معاني الوفاء في هذه الامة.. فالوفاء لرجالات الوطن هو دليل اننا نمتلك ، الحاسة العالية والشعور النبيل..في تخليد بطولات رجالات دولة ووطن ، صنعتهم الحياة بشخصياتهم الصلبة وتضحياتهم الجسام ، وتربيتهم الوطنية بعشق تراب هذا الوطن ، والتفاني في اداء الواجب في زمن صعب وظروف استثنائية قاسية ، جسدوا خلاله بطولاتهم الحقيقية ، المتجسدة على ارض الواقع ، باللحم والدم والجهد والعرق.
لكن..وللأسف الشديد فان الجحود ماثل امامنا بغبشه وسوداويته ، بتنكرنا للشخصية الوطنية..فالمكتب الخشبي البلوطي بكرسيه ومقتنيات اخرى تعود الى مدير اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية في نهاية الخمسينينيات الشهيد وصفي التل..لا تسر احدا ..فهي موجودة في مستودعات الاثاث التالف "الرابش" في مبنى الاذاعة والتلفزيون التي اسسها التل على تقوى الاردن ، لتطلق اذاعتنا الام طائر الصوت والصدى.. لتخرس اعداء الوطن ، ويختنق كلامهم المبحوح في حناجرهم الصدئة..
المكتب والمقتنيات موجودة الان في مستودع الاثاث التالف في الاذاعة.. وهي بالطبع اسيرة الاهمال والنسيان..لا احد يتحرك،..
ايضا..التنكر للمشير الركن حابس المجالي..الفارس العاشق الذي علم الحب لتكون ابجديات لغته اردنية.. والرتبة تزين الكتف وهو ينتخي للجهاد لذبح اليهود على اطراف الخنادق في باب الواد واللطرون والمغاربة..وحابس الذي كتب اسمه بالبندقية الاردنية على تراب فلسطين ، فتى نديا من الجنوب يؤذن للجهاد والشهادة...الباشا الذي تكلم بلغة سبطانات البنادق..ليبقى الوطن ويكبر..
اباسطام..الذي نقف بخشوع واحترام امام نفحات عتبه وحزنه النبيل..وهو "يطق لثمة" شماغه الاحمر المهدب بدمع الاردنيات..حزنا على بيته..الذي اصبح مستودعا لامانة عمان..تضم مكانسهم الخشبية وافرهولات عمال النظافة البرتقالية والاكياس البلاستيكية السوداء..بدلا من ان يكون متحفا يحمل اسم المشير ويضم في ارجائه العمانية الوادعة ، على مشارف الهوى في "العبدلي" الحانية..نياشين الباشا و"فوتيكه" المضمخ بالفروسية وسيوفه وبواريده ومسدسه الباراشوت نمرة "14" الذي كان يزين خصره ، والبوريه تشمخ فوق الهامة..بالاضافة لاشعاره التي كتبها تحت ضوء القمر في "منتصف الليل" يغازل الحب والحرب..ويضم ايضا "عكازته" التي نتكيء نحن عليها،..
مزهرية الوطن تضم ورودا ورياحين يانعة ، تعبق في ثنايانا عطرا يعانقنا مع انعطاف الهوى ، لنلامس بصمات طيب الذكر والذكرى الشريف عبدالحميد شرف..ونؤدي التحية على الطريقة العسكرية للانجاز المكثف والصمت النبيل في فروسية الباشا محمد رسول كيلاني..عندما قال في ذات زمن صعب ، امام مداخل الدائرة الاردنية القوية "العمارة الزرقاء" بالعبدلي: كل يد تمتد لهذا الوطن بسوء.."سنقطعها"..ليبقى الاردن وطنا بحجم بعض الورد الا انه.. له شوكة ردت إلى الشرق الصبـا،..
ويحضر الجيش.. وتحضر البنادق.. وتخضر اضرحة الشهداء.. باشراقة المشير الركن الامير زيد بن شاكر..بعسكريته النظيفة النبيلة..وينهض الجهاد ويزهر الثرى بعبق فروسية المجاهد البطل عبدالله التل الذي علم الصهاينة كيف يكون الدم منذورا للدفاع عن فلسطين.
ولاشك ان شعبنا يمتلك كل معاني الوفاء والتقدير لشخصيات وطنية ، كان لها الدور الرائد في الدفاع عن هذا الوطن ، والذود عن حماه ، وترسيخ حريته واستقلاله والحفاظ على سيادته وهم ينتشرون على جبهات الدفاع عن الوطن بارودا وورودا ورصاصا يروي بالدم الارجوان ، سيرة اجيال ممزوجة بالصبر والتحدي ، وهم الذين ما بدلوا عن محبة الاردن تبديلا.. وقد اقسموا بجلال الله تعالى ان لاتنحني للاردن راية في كف ، ولاتسقط بيارقه ، قبل ان تصعد دمائهم في يد الله لحظة الشهادة..
قائمة الكواكب التي اضاءت الاردن في ذات ظلام ، تطول وتطول.. لكن »بعض« مؤسساتنا الثقافية والرسمية المعنية ، لا تزال »تتناسى « واجب تجسيد تلك القيم النبيلة ، الموجودة لدى شعبنا ، لنشعر بيننا وبين انفسنا اننا قليلو الوفاء،..
رحم الله وصفي وحابس واضاء بالنور مرقديهما
المفضلات