بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد:
الإمام راع ومسؤول عن رعيته:
يطلق الإمام في الشرع على من يقتدى به كإمام الجماعة في صلاتهم، ومعلم الخير وفاعله، والداعي إليه كما قال تعالى عن المؤمنين:
{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}, وكخليفة المسلمين وهو أميرهم العام الذي يدينون له كلهم بالولاء والطاعة، لقيامه فيهم بشرع الله، وهذا هو المقصود من الحديث، وخليفة المسلمين هو أعلى رعاتهم، ومسؤوليته أعظم مسؤولية، لتعلق حقوق كل الرعية به، ولهذا استحق التقديم في الحديث، ويشبه العلماء إمام المسلمين معهم بالقلب مع سائر الأعضاء في الأهمية، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في القلب:
"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
والأمر كذلك بالنسبة للإمام فإن غالب رعيته يقتفون أثره ويحاولون محاكاته ما استطاعوا في الملبس والمسكن والمنكح، والعدل والظلم والتواضع والتكبر، والكرم والبخل، والإيثار والإسراف، والحزم والضبط والفوضى والاضطراب، ففي صلاحه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــ
1- [البخاري (8/104) ومسلم (3/1459)].
2- [الفرقان : 74]
3- رواه البخاري ومسلم
صلاح رعيته، وفي فساده فسادهم لأن زمامهم بيده، ومصالحهم تحت تصرفه، يقودهم إلى ما تهواه نفسه، ويميل إليه طبعه، كما أن القلب مصدر صلاح الأعضاء، وفسادها لسيطرته عليها.
حق الإمام على الرعية:
للإمام على رعيته حقوق لا يجوز لهم أن يقصروا في أدائها ما استطاعوا ذلك، وتتلخص في أمرو ثلاثة:
الأول: طاعته في غير معصية الله تعالى، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة في ما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة" متفق عليه
والنصوص في هذا الباب كثيرة جدا، والذي يتضح من الجميع أنه يجب على الرعية طاعة إمامها في ما تحب وتكره، ما لم يأمرها بمعصية الله فإن أمرها بها وجب عليها أن ترفض طاعته لأنها إنما تطيعه، رغبة في رضى الله عنه، ورهبة من غضبه عليها، فإذا أمرها الإمام بما يسخط الله فقد سلك غير سبيله وطلب ما لا حق له فيه.
الثاني: بذل النصيحة له، بتوجيهه إلى الخير، وتشجيعه عليه، وتقويمه إن عدل عنه وذلك بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بالتي هي أحسن، بأن يذكروه بحقوق الله عليه، ثم بحقوق رعيته حيث أخذ منهم البيعة على الطاعة في غير معصية وأخذوا منه العهد بالقيام بشريعة الله حتى يكون دائما في حذر من الوقوع فيما يعود عليه وعلى رعيته بشر في دينهم ودنياهم.
عدم الخروج عليه إلا إذا صدر من كفر ومنع إقامة الصلاة.
والحكمة في النهي عن الخروج عن الأئمة، والأمر بالصبر على ظلمهم وفسقهم واضحة جدا، فإن المصائب والمفاسد الحاصلة بسبب الخروج عليهم من سفك للدماء ونهب للأموال واستباحة للأعراض أعظم من ظلمهم، وما على المرء إلا أن يستعرض التاريخ قديما وحديثا ليرى صدق ما قلته
حقوق الرعية على الإمام:
وكما أن للإمام حقوقا على رعيته فإن للرعية حقوقا عليه يجب أن يقوم بها خير قيام، وخلاصتها: أن يجتهد في تحصيل ما ينفعهم ودفع ما يضرهم في دينهم ودنياهم، ويبتعد عن غشهم وخيانتهم، ولا يتحقق له ذلك إلا بأمور..
الأول : إقامة العدل في الحكم وتطبيق الشريعة الإسلامية بين الناس.
فلا يحابي قريباً أو غنياً أو فقيراً أو صديقاً فالناس سواء . قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
الثاني: أن يختار لمجالسته أهل التقوى والخشية والعلم والورع والنصح ليعاونوه على فعل الخير ويحسنوه له، وينصحوه بالابتعاد عن مقارفة الأمور التي تعود عليه وعلى رعيته بالسوء، ويقبحوا له ذلك حتى يصبح من طبعه فعل النافع واجتناب الضار، والنتائج المترتبة على اختيار جلساء الخير عظيمة جدا، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك وحذر من اتخاذ جلساء السوء، وأحرى الناس باختيار الجليس الصالح، واجتناب جليس السوء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــ
4- [النساء : 59]
5- رواه البخاري وسلم
6- [النحل : 90]
الثالث: أن يأخذ على أيدي السفهاء والفسقة.
ويردعهم عن المعاصي والظلم والفوضى ومعارضة أهل الخير بالطرق المؤدية لذلك - كالقصاص والحدود والتعازير - فإن لم يجتهد في هذه الأمور الثلاثة، فقد غش رعيته واستحق وعيد الله الذي أجراه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"
الرابع : الرفق في الرعية والإحسان إليهم
الخامس : منع ما يضرهم في دينهم ودنياهم من الأفكار السيئة و الأخلاق الدنيئة
وهذه الأمور تعتبر أسسا لحقوق الرعية على الإمام إذا توفرت كانت النتائج حسنة.
المفضلات