كيف يحافظ الأطفال على نعمة البصر
ترجمة: مهندس حسام مدانات
هناك مثل إنجليزي، قد يعجب أطفالنا ويرضي غرورهم، يقول بما معناه: الطفل أب الرجل The child is father of the man ويُقصد به أن مَنْ يشب على شيء يشيب عليه، أي أن العادات التي يتربى عليها الطفل تبقى معه عندما يكبر في السن.
مناسبة هذا المثل هنا أننا نود أن نوسع معناه ليشمل أيضاً العادات السيئة والممارسات الضارة التي قد لا تظهر آثارها على الطفل في حينه. فخلايا جسم الطفل وأنسجته ما زالت غضة نشطة وقادرة على التحمل وإصلاح الضرر أو إخفائه على الأقل. لكن هذه الأضرار تتراكم حتى تتفاقم وتظهر في سن متأخرة حين لا ينفع الإصلاح أو الندم.
احذروا الأشعة فوق البنفسجية :
نعلم أن الطيف المرئي من أشعة الشمس يمتد بين الأشعة الحمراء (الأطول موجة والأقل تردداً) والأشعة البنفسجية (الأقصر موجة والأعلى تردداً).
لكن ضوء الشمس يتضمن أيضاً أشعة لا تراها عيوننا. ومن هذه الأشعة غير المرئية تلك المسماة فوق البنفسجية (ترددها أعلى من تردد الأشعة البنفسجية).
معظم هذه الأشعة تحجزها طبقة الأوزون في أعالي الغلاف الجوي. (وهذا يفسر خطورة ثُقب الأوزون الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام كثيراً في السنوات الأخيرة. فهذا الثقب في طبقة الأوزون يسمح للأشعة فوق البنفسجية الخطرة بالمرور ووصول سطح الأرض لتضر بالكائنات الحية، ومنها الإنسان).
عندما تتعرض لأشعة الشمس لزمن طويل. يتضرر الجلد بتأثير الأشعة فوق البنفسجية، وقد يؤدي ذلك لسرطان الجلد. وبالمثل، فإن أنسجة العين تعاني من التأثيرات المدمرة لهذه الأشعة. لكن التأثير قد لا يظهر إلا متأخراً، بعد سنوات.
يمكن تقسيم الأشعة فوق البنفسجية إلى ثلاثة أقسام حسب أطوال موجاتها. ولنطلق عليها الرموز أ، ب، جـ: حيث أقصرها موجة، وبالتالي أكثرها خطراً هي الأشعة جـ. (طولها أقل من 280 نانومتر). لكن هذه الأشعة، لحسن الحظ، لا تصل سطح الأرض عادة، بل تحجزها طبقة الأوزون (قبل أن تنثقب!). ويبقى القسمان الآخران الأقل خطراً، لكنهما خطران أيضاً. ومما يزيد في ضررهما أن العين لا تبصر أياً منهما. وحتى عندما يكون الجو غائماً، فإن هذه الأشعة تنتشر وتتلف أنسجة العين.
عينا الطفل أكثر تضرراً:
تمتلك العين، لحسن الحظ وسائل حماية طبيعية. ففي القرنية، على سطح العين، وداخل عدسة العين، توجد جزيئات صبغية(ملونة) خاصة تمتص الأشعة فوق البنفسجية وتمنعها من الوصول للأنسجة البالغة الحساسية في قعر العين. ونعني بها أنسجة الشبكية.
بفضل هذه المرشحات أو الفلاتر الطبيعية، لا يصل شبكية العين إلا ما نسبته 1% من هذه الأشعة الخطرة. لكن هذا ينطبق فقط على البالغين.
أما لدى الأطفال، دون سن الثالثة عشرة، فيقدر أن نحو ثلثي الأشعة فوق البنفسجية من النوع أ ، وربع الأشعة من النوع ب، تخترق عدسة العين وتصل الشبكة.
تفسير هذه الظاهرة بسيط: إن الأصباغ الحامية من خطر الأشعة فوق البنفسجية في عدسة عين الطفل تكون قليلة جداً، وهي تزداد مع تقدم العمر، حيث تصبح العدسة صفراء اللون وأقل شفافية وبالتالي أقل تمريراً للأشعة الضارة. ولا تكتمل قدرة العين على حماية نفسها إلا بسن الخامسة والعشرين.
ويزيد من خطورة الأمر لدى الأطفال أن بؤبؤ العين، أي الفتحة التي يدخل عبرها الضوء إلى العين، يكون أكبر منه لدى البالغين، مما يعني زيادة كمية الضوء الداخلة إلى العين، ومن ضمنه الأشعة الضارة.
قنبلة زمنية:
في الواقع لا يعاني الطفل من تلف فوري للعين. ولعل الضرر الأكثر حدوثاً هو التهاب القرنية (Keratite) ولكنه التهاب سطحي وغير خطر. وتظهر آثار هذا الالتهاب في حساسية مفرطة تجاه الغبار وشعور بالألم والوخز، وتأثر الرؤية. وينتج التهاب القرنية عادة عن تعرض مفرط للأشعة. ويحصل ذلك أحياناً بعد سقوط الثلج وبقائه على سطح الأرض بضعة أيام، لأن الثلج يعكس الأشعة فوق البنفسجية انعكاساً شبه كامل (80%) فيزيد تأثير الأشعة، لكن العين تتعافى بعد يوم أو اثنين، إلا إذا تكرر ذلك عدة مرات.
لتخفيف تأثير الأشعة الضارة على العين، يمكن استخدام النظارات الشمسية غير المنفذة للأشعة فوق البنفسجية. لكن إذا استخدم الطفل نظارة قاتمة سيئة النوعية، فإن مفعولها قد يكون عكسياً. فهي قد تقلل من كمية الضوء التي تصل العين، فيتمدد بؤبؤ العين ويكبر. لكنها قد لا تخفف من الأِشعة فوق البنفسجية المارة عبرها. وهكذا فإن العين سيدخلها مقدار أكبر من هذه الأشعة الضارة بسبب تمدد البؤبؤ.
يجدر بالذكر أن الاهتمام بحماية عيون الأطفال بالذات من الأشعة فوق البنفسجية لم يظهر في الغرب إلا خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية. وتمثل ذلك بالتوعية الحكومية عن طريق نشرات صحية، وباعتماد معايير أوروبية تلزم صانعي النظارات الشمسية بيان فعالية النظارة بمنع مرور الأشعة فوق البنفسجية.
لكن يبقى التحدي الأكبر: إقناع الطفل بارتداء نظارة شمسية ثم إبقائها على عينيه أثناء لهوه ونشاطه دون أن تنكسر.
المفضلات