الأردن.. دلالات على خلفية التظاهرات بعد مقتل شاب على يد الشرطة
تفرض الاحداث ذات البعد الامني في الكثير من مناطق تجمع الاردنيين ايقاعا صاخبا على النقاش السياسي الوطني والعام في البلاد ليس فقط بسبب تكرار حوادث الشغب وتنوعها الجغرافي ولكن ايضا بسبب الاسترسال في قراءات صعبة لما سيكون عليه الامر لاحقا في ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الحكومة.
ويوم امس كان يوما عاديا قياسا بما جرى في اكثر من منطقة طوال الاشهر الستة الماضية حيث سيطرت الشرطة على حالة شغب جماعية جديدة في احد الاحياء وسط العاصمة عنوانها كان اعتداء شرطي على احد المواطنين ضمن سلسلة اعتداءات تكررت مؤخرا.
لكن ما لم يعد عاديا هو مستوى وطبيعة النقاش التي تثيره مثل هذه الاختراقات الامنية بعد ان طالت الى حد كبير جميع فئات المجتمع وانتشرت في رقعة الجغرافيا ولم تعد حكرا على احد او منطقة فأي حادث من اي نوع الان قابل للتطور الى احتكاك شبه جماعي مع رجال الامن.
حصل ذلك في احدى قرى محافظة عجلون شمالي البلاد مرتين على الاقل وحصل في مدن الطفيلة ومعان والكرك جنوبي البلاد ويحصل في الاحياء المكتظة وسط العاصمة عمان، الامر الذي شكل ظاهرة لافتة للعيان لم يعد التحدث عنها مقتصرا على الدوائر الامنية او الاعلامية فقط لكن اصبحت من الملفات الساخنة حتى في النقاشات الإستراتيجية داخل غرف القرار المغلقة او في الاجتماعات رفيعة المستوى.
وفي اكثر من مرة اظهر المواطنون تحت عناوين قبلية وعائلية ميلا لم يكن مألوفا للعنف وبدأت تظهر في الشارع حالات انتقام احيانا من الخصم الشعبي واحيانا من ممتلكات السلطة على شكل احراق سيارات وبيوت واطلاق رصاص في الهواء وغيرها من المظاهر الماسة بهيبة الدولة وفق اجماع المحللين.
وفي اغلب هذه الحوادث حصلت اشكالات مباشرة مع جهاز الشرطة حتى ان انتقادات واسعة وجهت لادارة الامن العام عندما توجهت الى احدى القرى وتقدمت بعطوة عشائرية حقنا للدماء اثر مواجهة مع احد المطلوبين انتهت بمقتله، الامر الذي اثار تساؤلات كبيرة تحت عنوان هيبة الدولة مرة اخرى ولاقى اعتراضات اكبر على اساس ان السلطة ينبغي ان تحكمها القوانين والمؤسسية لا تلك الاعتبارات والتقاليد التي تحكم العلاقات في الشارع.
وليس سرا هنا ان الكلام عن توسع ظاهرة التمرد الاجتماعية والميل العام للعنف والغضب تنقصه الدقة فالجديد في المسألة حتى حسب السلطات الامنية هو زيادة في رقعة الشفافية في الحديث عن المشكلات اليومية عند مؤسسة الامن العام، والجديد هو تكاثر صحافة الشبكة الالكترونية التي تسلط الضوء على كل صغيرة وكبيرة تحصل في الشارع مما شكل سببا من اسباب تنامي الحديث عن ميل مزاج الشارع الاردني للعنف خصوصا بعد حصول جرائم غريبة وجماعية في الاعوام القليلة الماضية.
الواقع يقول ان هناك مناطق يقول السياسيون انها تشهد نشاطا اجراميا في مجال المخدرات ولا تدخلها قوات الامن وان هناك مناطق اخرى تعتدي على المياه الجوفية ولا تلتزم بدفع الفواتير ولا تخضع لاعتبارات السلطة في الوقت نفسه بسبب حساسيات اجتماعية معينة. الواقع يقول ان المواطن وتحديدا في الضواحي والقرى اصبح اكثر ميلا للعدوانية والاعتداء والاحراق واحيانا اطلاق الرصاص في الوقت الذي تظهر فيه يوميا قصص وحكايات بعضها موثق ومصور لاعتداءات رجال الشرطة خارج احكام القانون وفلسفة الامن العام على افراد.
الاهم كما يرى بعض المحللين هو اكتشاف الافراد وسائل جديدة لفضح الانتهاكات التي يتعرضون لها عبر الاستعانة بوسائل الاعلام حيث كانت هذه الاعتداءات تحصل دوما في الماضي دون ان تتاح لضحاياها فرصة الصراخ بينما تغير الوضع الآن بسبب ازدحام وسائل الاعلام وتوالد مؤسسات المجتمع المدني.
تجاوبا مع هذه التطورات في العمق الاجتماعي يخشى صناع القرار مزيدا من الانهيار في ظل الازمة الاقتصادية والظروف الصعبة المقبلة وتتداول النخب بكثافة تقديرات سلبية عن الحاجة الملحة لاجراءات وتحولات تستعيد هيبة الدولة لأن الامن الاجتماعي مصلحة لكل الاطراف ويعتقد بان هذا التحدي هو الابرز الذي تنشغل به دوائر القرار مرحليا.
المصدر : الحقيقة الدولية - وكالات 9.11.2009
المفضلات