هناك نوع من الحب يكاد أن يكون نادرا لم أجد من تحدث عنه ممن كتب عن الحب من القدماء كابن القيم في (روضة المحبين) أو ابن حزم في (طوق الحمامة) ولكن تجده منتشر بشكل لافت عند من يخوض في العشق الإلهي وخصوصا الصوفية .
هذا النوع من الحب يمكن أن أطلق عليه (الحب الاتحادي) أو (حب الفناء) أو(الحب الوحدوي)..
وحقيقته أن يشعر المحب أنه اتحد مع المحبوب بمعنى أنه أصبح والمحبوب روحا واحدة في جسمين كما قال الشاعر:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرته أبصرتني *** وإذا أبصرتني أبصرتنا
عند هذا الحد يفقد المحب الشعورب (الأنا) فلا يشاهد من نفسه إلا محبوبه ولا يشعر إلا بشعوره فيغيب عن شهود أوصاف نفسه بمشاهدة أوصاف المحبوب .
يحكي السهروردي عن هذه الحاله فيقول:
ما أرى نفسي إلا أنتم *** واعتقادي أنكم أنتم أنا !
فالروح تصبح واحدة.. والنفس تغدو واحدة .. والقلبان قلب والشعور واحد :
روحها روحي وروحي روحها *** ولها قلب وقلبي قلبها
فلنا روح وقلب واحد *** حسبها حسبي وحسبي حسبها !
عند ذلك لا يشهد من نفسه إلا محبوبه فلايبصر ولايسمع إلا هو ولايشهد من الكون سواه ولا يملك عند مخاطبته إلا أن يقول "غبت بك عنّي فظننت أنك أنّي"
ياغاية المتمني ** أفنيتني بك عني
أدنيتني منك حتى ** ظننت أنك أنّي
فأنّى للمحب أن يرى غير محبوبه وهو لا ينظر إلا بعين المحبوب لا بعين نفسه
إن تبدى حبيبي ** بأي عين أراه
بعينه؟ لا بعيني ** فليس غيري يراه
إن حال المحبوب في هذا النوع من الحب لا تقف عند هذا الحد فالمحب لايغيب عن نفسه .. بل يغيب ويفنى عن المكان الذي يجمعه بالمحبوب فيغمض العين عن الأين..
وغنّى لي من قلبي *** وغنّيت كما غنّى
وكنّا حيثما كانوا *** وكانوا حيثما كنّا
هل سمعتم بهذا النوع من الحب ؟
هل رأيتموه ؟
هل عايشتموه ؟
هل ذقتموه ؟
من ذاق عرف .. ومن عرف غرف ..
إن هذا النوع من الحب لايدركه تجّار العواطف من صانعي أفلام الغرام أو كتاب أغاني الهيام.
إنه مقام سام تقصر دونه آمال المحبين تتضاءل أمامه همم العاشقين فلا يقدر عليه إلا من باع نفسه فداء للمحبوب ..
يا نسيم الريح قولي للرشا *** لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا *** لو يشا يمشي على خدي مشا
روحه روحي و روحي روحه *** إن يشا شئت و إن شئت يشا
كيف يكون حال هذين إذا إلتقيا ؟ كيف يتخاطبان وهما واحد ؟
قال لى المحبوب لما زرته *** من ببابى؟ قلت: بالباب أنا
قال اخطأت تعريف الهوى *** حينما فرقت فيه بيننا
ومضي عام فلما جئته *** أطرق الباب عليه موهنا
قال: من انت؟ قلت : انظر فما *** ثم الا انت بالباب هنا
قال: أحسنت تعريف الهوى *** وعرفت الحب فادخل يا أنا
المفضلات