عمّان.. لا حقوق للمشاة.. ومصائب قوم عند قوم فوائد!!
اتسعت مدينة عمان، وارتفع عدد سكانها بوتيرة سريعة، ومن خلال ظروف صعبة، تكاد أن توصف بأنها كارثية، وذلك لارتباط هذا النمو بأفواج اللاجئين، سواء بسبب نكبة عام 1948، أو عام 1967، بالإضافة إلى عودة نصف مليون فلسطيني بشكل مفاجئ، عام 1991، كانوا يعملون في الكويت، وبقية دول الخليج، التي قررت طردهم نظرا لوقوف الأردن، والسلطة الفلسطينية مع العراق بعد غزوه للكويت.
قدر عجيب
ارتبطت عمان منذ القدم بقدر عجيب مع اللاجئين، منذ أن وصلها الفوج الأول من اللاجئين الشركس عام 1878، الذين هربوا من مذابح روسيا القيصرية، ثم تلاهم الشيشان والأرمن، وبعد الحرب العالمية الأولى قدر عدد سكان عمان بأكثر قليلا من ألفي نسمة، معظمهم من الشركس، أما اليوم فيعيش في عمان 2.2 مليون نسمة، بينما وصلت مساحتها وهي تتمدد على جبالها السبعة من 680 كم مربعا إلى 1680 كم مربعا.
عودة العاملين بدول الخليج بعد حرب الخليج الأولى، أدت إلى طفرة عمرانية غير مسبوقة، وجعل المدينة تتمدد باتجاه الجزء الغربي، وهو الجزء الذي يحتضن أحياء جديدة ظهرت إلى الوجود خلال العشرين عاما الماضية، ولكن هذه الطفرة السريعة، أدت أيضا إلى زيادة عدد السيارات. وفقا لدائرة المركبات والتراخيص، يقدر عدد المركبات في عمان بحوالي 950 ألف مركبة، أما في أشهر الصيف فتصل إلى المدينة 450 ألف سيارة معظمها من خارج الحدود، مما يجعل قيادة السيارة نوعا من العقاب القاسي، أما أسوأ تجربة يمر بها الزائر إلى عمان، فهي محاولة اجتياز الطريق، وخاصة في الشوارع الكبرى مثل شارع المدينة المنورة، حيث وقفت أنتظر ربع ساعة كاملة لا تمكن أخيرا من اجتياز الشارع.
الأسبقية للمشاة
لا توجد في عمان أماكن مخصصة لعبور المشاة، ولا إشارات ضوئية تعطيهم الأسبقية، وخلال زيارتي رأيت مرة واحدة لافتة رسم عليها رجل يهم باجتياز الطريق، وكتب عليها "الأسبقية للمشاة"، ولكن لم تكن هناك خطوطا بيضاء تجبر السائقين على التوقف ليعبر المشاة، وهو ما ذكرني بلافتة "نخلة التحدي" التي نصبت أمام القبة الفلكية، في طرابلس عاصمة ليبيا، فقد اختفت النخلة التي لم تجد من يرويها، وبقت اللافتة فقط.
وفقا لمدير المعهد المروري الأردني، العقيد عماد حجرات، فإن حواث الدهس تشكل 6 % من إجمالي الحوادث المرورية، ولكنها تؤدي إلى 40 % من مجموع الوفيات، بينما تشكل 60 % من إجمالي الإصابات، كما إن 68 % من حالات الدهس تنج عن عدم استخدام المشاة للأرصفة، وقد يفضل المشاة السير على الطريق في بعض المناطق بسبب عدم وجود أرصفة أو أنها في حالة سيئة ، أو أن الرصيف يتحول إلى سلالم بدرجات لا تحصى بسبب التضاريس الجبلية للمدينة.
إشارات ضوئية
وما يدل على أن الطفرة العمرانية السريعة هي المسئولة عن هذا الوضع، وجدت في وسط البلد، وهو الجزء الأقدم من المدينة معابر مخصصة للمشاة، ولكن بلون باهت، ومع ذلك فحتى هناك لا يحظى المشاة بالأسبقية، وقرب المسجد الحسيني وجدت إشارة ضوئية واحدة خاصة بالمشاة، ولكن وفقا للزملاء في صحيفة الغد توجد ما بين أربعين إلى خمسين إشارة ضوئية خاصة بالمشاة، وهو رقم لاشك صغير.
مهنة جديدة
ووفقا لمقولة مصائب قوم عند قوم فوائد، نشأت ظاهرة جديدة في السنوات الأخيرة بالمدينة، حيث يتعمد بعض المشاة الإصطدام بإحدى السيارات، وذكر لي أحد سائقي سيارات التاكسي إن هؤلاء يعتاشون بهذا الطريقة، ففي الصيف يختارون الاصطدام بالسيارات الخليجية الفاخرة، التي تعرف من لوحاتها، وعادة ما يكون المستفيد مصحوبا برفاق له يتولون التفاوض مع السائق، للحصول على تعويض وعدم تسجيل الحادث لدى الشرطة، أما في الشتاء فيرمون أنفسهم أمام سيارات أهل البلد.
يقول لي سائق آخر أن السلطات لم تستطع مواجهة هذه الظاهرة الجديدة على المجتمع الأردني، لأن معظم القضايا تسوى قبل أن تعلم بها، ولكن في بعض الحالات يصر السائق على تسجيل الحادث لدى السلطات، وعندها يتخلى الضحية عن التعويض، وخاصة إذا كانت له سوابق، فإذا وصلت القضية إلى الشرطة، ووجدت أن هذا الشخص تعمد القفز أمام السيارات من قبل، يصرف دون تعويض، حتى ولو أدى الحادث إلى إصابة خطيرة.
المصدر : الحقيقة الدولية – إذاعة هولندا- تقرير عمر الكدي 7.11.2009
المفضلات