السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشرت في مجتمعاتنا مؤخرا ً ظاهرة استخدام الكلمات الأجنبية في حديثنا اليومي ، وبشكل غريب وملفت ٍ
للنظر صارت هذه الكلمات جزءا ً من حوارنا مع الآخرين ..
وصارت كلمات مثل " أوكي " و " ثانكيو" و " سوري " وغيرها جزءا ً لا يتجزأ من لغتنا ، حتى أصبحت الكلمات الأجنبية التي ينطق بها بعضنا تفوق الكلمات العربية ..
وهكذا صارت طريقة بعض العرب في الحديث تثير الاشمئزاز ..
حتى أن بعضهم لم يكتف ِ باستخدام المصطلحات الأجنبية ، بل أدرج في حديثه كثيرا ً من العبارات الغربية مثل : " آ كانت دو إت " ، " إت إز إيزي " ، " هاو آر يو " .... وغيرها كثير
ولست ُ أدري كيف يجدون هذه الجمل أبلغ في التعبير !!
والأدهى من ذلك أن أطفالنا بدؤوا تقليد الكبار في هذه الظاهرة ، وهو ما يشكل خطرا ً كبيرا ً ينتظر اللغة العربية ..
تشويه ٌ واضح للغة الأم ، ولا أحد يبالي بالخطر المحدق الذي تتعرض له لغة القرآن الكريم ..
وفي محاولة للوصول إلى حل ٍ لهذه المشكلة ، سنعرض أولا ً أسباب انتشار هذه الظاهرة ، ثم سنعرض نتائجها وآثارها السلبية على ديننا وثقافتنا ..
عل ّ هذه الكلمات تجد مكانها الصحيح وتعيدنا إلى رشدنا قبل فوات الأوان ..
.. أسباب انتشار الظاهرة ..
أولا ً / فقدان حس ّ الانتماء .. وضياع الهوية الثقافية :
ربما كان هذا الجانب هو السبب الرئيسي لظهور المشكلة ، فمن الطبيعي جدا ً أن المرء الذي يفقد انتماءه لثقافته ولغته سينسلخ بكل سهولة عن هويته ، وسينقاد بكل بساطة لمغريات الحضارات الأخرى ..
لذلك نجد مثل هؤلاء يدرجون المصطلحات الغربية في حديثهم في محاولة منهم لتقليد الغرب حتى في لغتهم ..
ثانيا ً / التقليد الأعمى لكل ما يأتي من الغرب :
مع وجود مشكلتي الجهل والفراغ التي يعاني منهما الشباب الضائع ، فإننا نجد لديهم استعدادا ً تاما ً لتقليد الغرب في كل كبيرة وصغيرة ، ظنا ً منهم أنهم بهذا يواكبون الحضارة ..
ومثل هؤلاء لا يترددون مطلقا ً في تلقـّي أي شيء من الغرب ، ودون تفكير بمدى نفعه أو ضرره ..
هو مجرد تقليد ليس إلا !!
ثالثا ً / الشعور بالنقص :
هؤلاء المنبهرون بحضارة الغرب يشعرون بالنقص لكونهم ينتمون لمجتمع لا يواكب الحضارة ، والحل بنظرهم يكمن في تقليد الغرب كي يعوضوا عقدة النقص التي يعانون منها ..
وقد يكون السبب وراء ذلك هو الشعور الكامن بالتخلف العام أمام الغرب في مختلف المجالات ، وذلك يحتم بالتالي تقبل حصاد الفكر الغربي وثقافته ..
رابعا ً / الغزو الثقافي والفكري :
معظم بلاد الإسلام واقعة تحت مطرقة الغزو الثقافي بصورة أو بأخرى ، سواء شعر بها المسلمون وتنبـّهوا له ، أو غفلوا عنه ولم يتيقظوا بعد لمخاطره ..
والغزو الثقافي يجعل المسلمين يسيرون وراء الغرب في كثير من العادات والتقاليد ، بل حتى في اللغة ..
إن من أخطر ما توصل إليه الغرب في الغزو الفكري أنهم ركزوا على الإنسان من داخله ..
فهم يسعون لتذويب شخصية المسلم ، وحين تذوب الشخصية تضيع أهداف الأمة الإسلامية ، بينما تتحقق أهداف أعدائنا ..
.. الآثار السلبية للظاهرة ..
أولا ً / التشويه الكامل للغة العربية :
وهذا من أهداف العدو الخطيرة والتي يسعى لتحقيقها ..
ويشكل هذا استمرارا ً لخطتهم القديمة ، حين نجحوا في تحويل اللغة العربية من اللغة الفصيحة إلى اللغة العامية ..
في ذلك الوقت .. ظل العدو يقنع العرب أن الحديث باللغة الفصيحة رجعية ، وظل العلمانيون يوجهون اهتمام العرب حينها لهذه الفكرة ، حتى تمكنوا من إقناعهم بها ..
وهكذا صرنا نتحدث بالعامية ، بعد أن صارت كل دولة عربية تنطق بلهجة مختلفة عن الدول العربية الأخرى ..
وسيكون مؤسفا ً لو تكررت أخطاؤنا نفسها في المساهمة بمزيد من التشويه للغة القرآن الكريم ..
ثانيا ً / غياب اللغة الأم عن أطفالنا :
وهذه نتيجة سلبية جدا ً ، ذلك أن الأطفال يكونون في مرحلة هم بحاجة فيها إلى تكوين لغتهم الأم ..
وبما أن الطفل يتشرب كل ما يراه في بيئته التي ينشئ فيها ، فسيكون من الخطورة بمكان أن يتعلم لغة مشوهة ..
وهذا ما يخلق لدى الطفل نوعا ً من التغريب ، فينشئ بلا انتماء للغته الأم ..
ولأن اللغة هي العنصر الأساسي لأي ثقافة ، فإن ضياعها يعني ضياع الثقافة كلها ، وهكذا تضيع اللغة العربية ويضيع جمالها إلى الأبد ..
وبضياعها تضيع الثقافة ..
ثالثا ً / إضعاف علاقتنا بالقرآن الكريم :
إن للتمسك باللغة علاقة بالدين ..
يقول ابن تيمية :
" معرفة اللغة من الدين ، ومعرفتها فرض واجب " ..
إن فهم القرآن الكريم فرض ، ولا يمكن أن يفهم إلا بفهم اللغة العربية ..
ولذلك يكون ضعف اللغة من ضعف الوازع الديني ..
رابعا ً / ضياع الهوية العربية والإسلامية :
إن انتشار هذه الظاهرة دليل واضح على ذوبان الهوية العربية والإسلامية ..
ولو كان العرب يعتزون بدينهم وعروبتهم ولغتهم كما ينبغي ، لما قبلوا أن تكون أي لغة أخرى بديلة عن العربية ، ولما سمحوا لأي كلمة أجنبية أن تكون دخيلة على لغتهم ..
إن التحدث بلغة الغير دليل انهزام داخلي ..
إذا ً .. بدلا ً من أن يشعر المسلم أنه الأعلى وأن لغته الأفضل ، يتكون لديه شعور بالدونية نتيجة الانهزام النفسي ..
وتتجلى مظاهر الذوبان الحضاري عندما يظن الفرد أنه يصبح متحضرا ً عندما يتكلم بلغة القوي المسيطر ، وتسيطر عليه فكرة أن ثقافة العدو ولغته هي الأكمل والأجمل ..
وهنا يأتي دور التربية في ترسيخ الهوية الإسلامية والعربية في نفوس الناشئة ..
علينا أن نغرس فيهم حب اللغة تماما ً مثلما نغرس فيهم حب الدين ، وأن ننمي فيهم اعتزازهم وافتخارهم بلغتهم ..
أحبتي الكرام ..
جدير بنا أن نفخر بلغتنا ، فنحن بين سائر الأمم أكرمنا الله بخير لغة وأفصح لغة وأجمل لغة ..
اللغة التي اصطفاها الله بين سائر اللغات لينطق بها القرآن الكريم ، خير كتاب ومنهاج خير دين ..
إن من حق لغتنا علينا أن نحافظ عليها ، وأن ندافع عنها ، وأن نبذل حبنا لها ..
علينا التمسك بلغتنا بمعرفة أهميتها دينيا ً وحضاريا ً ، وعلينا أن نلقـّن أطفالنا اللغة السليمة ، وأن نغرس في نفوسهم حبها والاعتزاز بها ..
واجب ُ علينا أن نحارب التحدث باللغات الأخرى ، وأن ننبذ المفردات الأجنبية التي لا يدل التلفظ بها سوى على التبـعـيـّة ..
والحمد لله رب العالمين ..
المفضلات