مقال بعنوان
الهاشميون والحقيقة الناصعة
بقلم الدكتور محمود سليم هياجنه
الهاشميون والحقيقة الناصعة
لا إخال عاقلاً سبر أغوار الأمور, فأقضي إلى الحقيقة الناصعة ألا وأسجلُ استيفاء شرط التميز الممنهج الثابت والدور الحيوي المميز والأنموذج المثال الذي أداه آل هاشم عبر أحقاب الزمن وأعطاف التاريخ.
ومما لا شك فيه أن تاريخ الأمم المطوي بين ثنايا العصور, المسطر على بقايا الأطلال الأثرية وبين طيات الكتب هو الشاهد الخالد, الماثل لأنظار الشعوب على مر الدهور وهو الحكم العدل الذي يرجع إليه عند الحاجة. لمعرفة ما في الجماعات البشرية ومعرفة عظماء الأمم, وهو الحكم الذي لا ينطق إلا بالحق ولا يقول إلا ما وعاهُ وعاؤه واحتفظ به أجياله, جيلاً بعد جيل.
وما من أمةٍ طوّقتها الخطوب واعتورتها المخاطر والأزمات ثم رجعت إلى التاريخ إلا وجدت لها مخرجاً مما هي فيه, يوصلها إلى السلامة ويمهد لها سبيل الحياة السعيدة التي هي مطمح كل البشر في الوجود.
نعم التاريخ فيه عبرة الماضي ونبأ المستقبل, ولذا فإنه يكتسب الشرعية التي يدعمها التدقيق الممنهج اللازم, وهذه هي مسؤولية المثقف المنتمي لأمته الذي يقّوم الأمور ويقيمها ويكشف السجوف لتوضيح السياق الذي تتحقق قيه قراءة الماضي في ضوء المفردات الجديدة, لتأهيل ما يقوم عليه من بنى تحتية تضيء الحقائق وتكشف النقاب عن مكتسبي فردانية الحقب الزمنية أو فردانية العظماء من أبناء الأمم والشعوب الذين اكتسبوا ثوب الفردانية بالتميز والاستحقاق, فكانوا أهلاً لها وأحق بها.
فلا مندوحة للباحث المفكر والعقل الواعي الناقد, الذي لا يأخذ ما يأخذ إلا على بصيرة وبينة, ولا يذر ما يذر إلى على بصيرة وبينة, ولا يكتفي بالخبر عن المعاينة ولا يستغنى بالوزن عن الموازنة. أن ينظر إلى هذا الركن الركين فينعم النظر فيه, ثم ينعم النظر كرة أخرى, حتى يزداد ثقة بالحجة واستظهاراً على الشبهة واستبانة للدليل وتبييناً للسبيل, عندها سيجد بلا ريب رُكناً في غنى عن البرهان, يكفيه مؤونة البحث والبيان, فشاهدهم يصطع بنور غائبهم ماثل للعيان.
ومما هو جدير بالذكر حري بالاهتمام أن أي عاقل يسعى كي يعرف حجة الله تعالى من الوجه الذي هو أضوأ بها وأنوه لها وأخلق بأن يزداد نورها سطوعاً وكوكبها طلوعاً وأن يسلك الطريق الذي هو آمنُ له من الشك وأبعدُ من الريب, وأصبح لليقين, وأحرى بأن يبلغ سامقة التبيين.
وإذا كان ذلك كذلك, فأنت أمام حقائق بارزة ناصعة شاهدة عليهم لا تدع مجالاً للريب, فانظر – يا يرعاك الله – كم كابد العرب زؤام الضنك وكم رزحوا تحت أعباء الضيم حتى أذن الله بانفراج الأزمة وانقشاع الغواية على أيدي هؤلاء الغر الميامين, فكانوا أمضى من الشهاب وأنفذ من السهم في كل أزمة.
وكم مر العرب في أزمات التفرقة والخلاف, فما أن اشرأبت الأعناق إلى هذا الرهط من بني هاشم حتى وجدوا عندهم الدواء الشافي والبرهم الكافي في حسم شأفة الشقاق ورأب الصدع وشد أواصر الوفاق والاتفاق.
أجل, لقد كان لواء بني هاشم ينعقد كلما دعت للعرب حاجة فإذا بلوائهم يكرس حضور الانفراج والنصر. وبهذا كان لواءهم يكتسب شرعية الانمياز والتميز, مستندين إلى أوانيهم من الإرث التاريخي الذي حباهم الله به.
نعم, لقد قاد الهاشميون العرب عبر التاريخ وانعقدت ألويتهم في كل زمن, فنجحوا في بناء النظام العربي وإرساء الوحدة الأنموذج لضمان الحقوق وترتيب الواجبات وصيانة الكرامة الإنسانية والسيادة والاهتمام ببناء الشخصية العربية, ولقد قدم الهاشميون منهجاً في الحكم, والإدارة وأنموذجاً في توحيد المجتمعات وبناء الدولة ابتداء من دار الندوة وحلف الفضول حتى الدولة الإسلامية الكبرى بإمبراطورياتها المتعددة, وكانوا في كل أدوارهم, يتوجون بتاج التميز وبتاج العز والمهابة ويرتدون خلعة الرضى, فيسيرون في مقدمة الشعوب نحو الثورة وقيادة السياسة وإدارة الحكم لا يبتغون جزاء ولا شكوراً وإنما همهم واضح وغاياتهم سامقة هي الخير والصلاح.
ولكل هذا بل أكثر من هذا اكتسبوا خلعة المجد الباذخ والشرف الشامخ والهمة الشماء والعزة القعساء, وهل غيرهم استحب العناء وهجر الراحة وهل غيرهم نبذ البدعة, وأقبل على مكافحة الخطوب ومقارعة النوائب لجمع كلمة العرب وتوطيد أركانهم ورفع منارهم.
فكم انتصروا للبرهان على البهتان, ومن أحتجبت عليه الشمس فليسأل زمزم والصفا والعلم والحجى, بل يسأل حلف الفضول ودار الندوة, ثم ليسأل بدر وأحد, مؤتة واليرموك ثم يلقي السمع وهو شهيد إلى ما قاله " صفوان " على لسان بني هاشم: منا نبي الله المصطفى, وخليفة الله المرتضى لنا السؤدد والعلى وفينا العلم والحجى ولنا البيت المعمور والمشعر المشهور وزمزم وبطحاؤها وجبالها وصحراؤها, بناء عرف الدين ومن عندنا أتى اليقين.
ألا فليعلم القريب والبعيد وليشهد الولي والخصم أن الفضل كل الفضل يعود بعد الله إلى بني هاشم رهط النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
إيه بني يعرب, لقد فضل الله في كتابه الكريم ولد إسماعيل وآل إبراهيم على العالمين جميعاً وأنه قد ثبت في صحيح مسلم أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفى من بني هاشم نبينا وفخرنا وذخرنا جدُّ مليكنا وقائدنا وقرة عيننا المليك المفدى عبد الله الثاني بن الحسين المعظم, فبجده الأعظم خرجنا من دياجير الظلمات إلى النور, وببيتهم الأقدس كان رشادنا بعد الجهل
وأن البيت الذي عدل بنا عن طريق الغواية إلى طريق الهداية لا يزال ملزماً بِلم شملنا وتقويم أودنا واستلام زمام أمورنا مهما تجشم من العناء لهنائنا ومهما تحمل من الجهد لأجل سعادتنا وما كان لنا أن نلجأ لغير البيت الذي اختاره الله وأن نصطفي قوماً غير الذين اصطفاهم لنفسه, ولذا فنحن الأردنيين قد شددنا حيازيمنا بعد أن قضي الأمر وأبرم الميثاق وعقدنا البيعة لصاحب الجلالة الملك المفدى سليل الدوحة الهاشمية حفيد المصطفى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم.
فكم نحن محظوظون وأكرم به من حظ وكم نحن مسرورون وأكرم به من سرور, بهذه البيعة وهذا الميثاق.
وأيمُ الله, لو أن لنا من زهير حولياته ومن النابغة اعتذاراته ومن ابن المعتز تشبيهاته ومن عنترة حماسياته ومن المتنبي تخلصاته ومن أبي تمام إبتداءاته ومن الصنوبري روضياته ومن الكميت هاشمياته, ومن البحتري محسناته, فقامت الفصاحة في خدمتنا وتبارت المعاني لدعوتنا, وكوشِفت لمغيبات الصدور وما تُكن أحشاء ضلوعنا, لما استطاعت تصوير حقيقة ما يختلج نفوسنا ويعتلج صدورنا من النشوة والسرور الغبطة والحبور, فلترعاك عين الله يا أبا الحسين, ولتحميك الصمدانية, وليحرسك الركن الركين.
الدكتور محمود سليم هياجنه
يمنع وضع ارقام الهواتف والايميلات
المفضلات