لماذا نقع فريسة لحصص الطعام الكبيرة في رمضان؟
تتيانا الكور
نظامنا الغذائي هو ركننا الأساسي لصيام صحي طيلة شهر رمضان المبارك لأنه وسيلتنا الوحيدة لإمداد جسمنا بالطاقة والصحة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوموا تصحوا!. ويلعب النظام الغذائي الصحي دورا في وقايتنا من الأمراض فالمعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء، .
إن معظم المشاكل التي قد تعترض صيامنا وتجربتنا في الصيام تتأثر بصورة رئيسية بنمطنا الغذائي في رمضان، مثل الإمساك، سوء الهضم، النفخة، القرحة المعوية، الحرقة، إلتهاب المعدة، الصداع، وزيادة الوزن، فلماذا نجعل من أنفسنا فريسة لحصص الطعام الكبيرة ولنظام غذائي غير صحي؟ فحتى نتمتع بصيام صحي، يجب أن يكون طعامنا ثلثا وشرابنا ثلثا إقتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ملأ إبن آدم وعاء شرا من بطنه... فإن كان لا بد فاعلا: فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
فنصيحتي الأولى لصيام صحي هي جعل كمية الطعام والشراب المتناولة ثلث ما نتناوله في الوجبة وثلث ما نتناوله خلال ساعات الإفطار وقبل الإمساك (أي خلال فترة المساء وحتى صلاة الفجر)، فكميات الطعام والشراب المتناولة هي التي بدورها تحدد كمية السعرات المتناولة من كل عنصر غذائي في الوجبة وهي التي تؤثر على وظائف جسمنا.
السؤال الحقيقي الآن يكمن في كيفية الحرص على تحديد كميات الطعام والشراب المتناولة؟ أما الجواب فأقول يعتمد على عدة عوامل والتي تختلف باختلافات فردية، ولكننا نستطيع السيطرة على هذه العوامل بمواجهة أهم عامل وهو معرفة العقبات أمام تحديد الكمية والعمل على وضع الإستراتيجات اللازمة لتقليل هذه العقبات، فمثلا، إذا كان العائق هو عدم وجود المساندة الكافية لتحديد الكمية، فيمكن أن تكون إحدى الإستراتيجيات هي القيام بالتخطيط المسبق للوجبة (كوجبة الإفطار أو السحور مثلا) أو مشاركة هذه العقبة مع الآخرين والعائلة والأصدقاء الذين يوفرون التشجيع والدعم الكافي لتحديد الكمية (مثل طلب المساعدة من الأم بتحديد أنواع الأطعمة على المائدة).
ولضمان توفير تغذية صحية وسليمة خلال فترة الصيام لحماية الجسم من الأمراض ومن المضاعفات الصحية التي لها علاقة مياشرة بالغذاء، فإنني أنصح بمراعاة التنوع والتوازن في الوجبات. ولتحقيق التوازن في نوعية الوجبات، فأنني أنصح بتناول وجبة الفطور ووجبة السحور، وأنصح بتناول 2-3 وجبات خفيفة خلالهما مع مراعاة تناول أصناف مختلفة في كل وجبة. وأنصح بمراعاة تناول كمية محددة من الأغذية التي تحتوي على الألياف في كل وجبة (سواء أكانت وجبة الفطور أو السحور أم كانت وجبة خفيفة). ومن الأغذية الغنية بالألياف: النخالة والشوفان والقمح الكامل، والحبوب والبذور والبقوليات مثل العدس والفول الأخضر وحبوب الحمص، والخضراوات مثل الفاصولياء الخضراء والبازيلاء والفلفل الأخضر والسبانخ والملوخية، والفاكهة مثل التفاح والبرتقال، والفاكهة المجففة مثل التمر والقطين و المشمش.
أنصح بتناول الأغذية التي يتم هضمها ببطء في الجهاز الهضمي (وعلى كل وجبة أيضا)، ومنها: الحبوب الكاملة، والبذور والبقوليات مثل القمح والذرة والفاصولياء والعدس والحمص والفول، والدقيق المصنوع من القمح الكامل، والأرز غير المقشر. ولتحقيق التنوع وإرضاء النفس.
أنصح بمراعاة الحذر في تناول الأطعمة سريعة الهضم و التي تحتوي على السكر والدقيق الأبيض كالمعجنات والحلويات، والحرص على تناولها بكمية قليلة وموزعة خلال فترة المساء مع تناول أغذية أو أصناف غنية بالألياف أو بطيئة الهضم (مثل تناول حبة قطايف مع حبة تمر أو حبة فاكهة، أو تناول كوب من المهلبية مع ملعقة من المكسرات والفواكه المجففة).
ومن الممارسات الخاطئة خلال فترة الصيام هي عدم الصحو لتناول وجبة السحور مما يتسبب في عدم تحقيق التوازن في الكمية والنوعية المتناولة فإن وجبة السحور ضرورية جدا للصائم وذلك لتساعدنا على تحمل ساعات طويلة من الإمتناع عن الطعام ، فإنني أنصح أن يكون توقيت تناول وجبة السحور أقرب إلى وقت الإمساك مع مراعاة تناول نصف إلى واحد كوب من الحليب أو اللبن مع 3 حبات تمر أو رطب (ويمكن تناول ساندويشة إلى جانب الحليب والتمر) وذلك لتهيئة الجسم وإمداده بالطاقة والعناصر الغذائية اللازمة والتي تساعد في تحمل صيام النهار.
فمنتجات الحليب والألبان غنية بالكالسيوم وفيتامين دال والطاقة كما وتخفف من الشعور بالعطش خلال النهار. أما التمر، فهو غني بالسكربات المركزة والألياف والأملاح المعدنية كالبوتاسيوم والكالسيوم والحديد والفوسفور والمغنيسيوم وفيتامين ألف (أ) وفيتامين باء (ب) ومصدرا للقليل من الدهون وهو سهل الهضم والإمتصاص ويعد ملينا جيدا للأمعاء، وبخاصة للذين يعانون من الإمساك. وقد تختلف المخصصات باختلاف الفئة العمرية والحالة المرضية أو مع وجود أي تحسس غذائي، فمثلا فإننا نوصي مرضى الكلى بتناول كمية قليلة ومحسوبة من التمر، خاصة الذين يحتاجون إلى تقليل البوتسيوم والفوسفور المتناول في وجباتهم.
ومن الممارسات الخاطئة أيضا هو الإعتماد على تناول الشوربات المجففة لأنها تفتقر للعناصر الغذائية ولأنها غنية بالأملاح التي تؤدي إلى إرتفاع ضغط الدم والضغط الأسموزي في الأمعاء. ومع أنني أنصح بتناول الشوربة على الإفطار إذ تلعب دورا مهما في تهيئة المعدة وتنشيطها بعد ساعات صيام طويلة، ولكن يجب مراعاة الإعتدال في الكمية المتناولة على أن لا تزيد عن كوب، مع مراعاة تحقيق التوازن فيها من خلال إضافة الخضار والحبوب (كالعدس والشوفان).
وفي الختام، فلنجعل من أنفسنا فريسة للصحة، لا للمرض، ولنجعل موائدنا ثلثا و شرابنا ثلثا و حلوياتنا ثلثا حتى نتمتع بصيام صحي مع مراعاة تناول وجبة السحور أقرب إلى وقت الإمساك، والحرص على تغيير برنامج الوجبات وكميتها وتركيبها حسب إحتياجاتنا وظروفنا الفردية وممارسة الرياضة قدر الإمكان، كالمشي مدة 30 دقيقة يوميا على الأقل، ومراعاة الحفاظ على توقيت تناول الأدوية والعلاجات الدوائية حسب إرشادات الطبيب.
المفضلات