لكتاب عذاب القبر والثعبان الاقرع
ماذا يراد بنا ؟!
فى الوقت الذى يستعد فيه العالم للارتياد القرن الحادى والعشرين بمزيد من التقدم فى العلوم تقدماً يقترب من الخيال، يحصر المسلمون اهتماماتهم حول قضايا ترجع إلى خرافات تنتمى إلى القرن الحادى والعشرين قبل الميلاد. من نوع عذاب القبر والثعبان الأقرع التى اخترعها أجدادنا المصريون القدماء ثم عادت إلينا منسوبة زوراً إلى النبى ، ونحن مشغوفون بهذه الخرافة ونعتبرها من المعلوم من الدين بالضرورة من أنكرها يكون كافراً.
وهكذا ينفصل المسلمون عن عصرهم بأكثر من أربع آلاف سنة مع أن الإسلام حين نزل فى القرن السابع الميلادى وقف موقفاً حازماً من الأساطير والخرافات ووضع منهجاً علمياً تجريبياً فى القرآن للبحث والاكتشاف.. لكن الأسلاف ركنوا إلى الخرافة وأهملوا ما جاء فى القرآن الكريم من منهج علمى تجريبى.. وعندما بدأت الصحوة فى العصر الحديث فوجئنا بخرافات العصور الوسطى التى يرفضها القرآن الكريم وقد عادت إلى الظهور والتأثير على عقول الشباب المتدينين ليزدادوا تخلفاً باسم الإسلام وهو دين العلم ودين التعقل والتبصر.
مرة أخرى.. ماذا يراد بنا ؟!
هل يراد بنا أن نكون رقيق القرن الحادى والعشرين نعيش فى زوايا النسيان بينما يتقدم العالم من حولنا.. هل يراد بديننا الحنيف أن يكون عنواناً للإرهاب والعجز والتخلف والخرافة؟!
إن هذه الدراسة الموجزة عن عذاب القبر وأساطيره محاولة متواضعة لتبرئة الإسلام وتنبيه المسلمين، وهو هدف نبيل يستحق أن نتحمل من أجله المزيد من أذى وتطاول الذين اتخذوا القرآن مهجوراً، وأن نصبر ونتسامح.. والله تعالى ولى الصابرين.
عذاب القبر والثعبان الأقرع
فى ضوء القرآن والسنة
العقائد التى لا وجود لها فى القرآن يحاول أصحابها إيجاد سند شرعى لها بتأويل الآيات وتأليف الأحاديث ونسبتها للرسول عليه الصلاة والسلام. ذلك ما ينطبق على موضوع عذاب القبر ونعيمه والثعبان الأقرع أو الشجاع الأقرع..
وإذا ما حاول باحث مخلص لدينه حريص على تبرئة النبى عليه الصلاة والسلام مما ينسب إليه من أكاذيب- إذا ما حاول الاحتكام إلى القرآن الكريم فى توضيح تلك القضايا تناولته الاتهامات من كل جانب وأسهلها أنه منكر لسنة النبى عليه السلام.
علاقة السنة بالقرآن:
والسؤال الذى يفرض نفسه هنا:
ما المعنى المراد بسنة النبى التى يرفعون منها شعاراً يدارى عجزهم عن الاجتهاد ورفضهم للحق القرآنى؟
إن النبى عليه السلام كان متبعاً للقرآن ، ومن يحب النبى فعلاً هو ذلك الذى يؤمن بأن أقوال النبى وأفعاله كانت تأكيداً للقرآن ولم تكن أبداً مناقضة للقرآن، أى كانت طاعة لله تعالى وكتابه الكريم ولم تكن عصياناً لله تعالى وقرآنه.. وذلك الذى يؤمن بالنبى ويحبه يكون أحرص على تبرئة النبى من ذلك الزيف الذى نسبوه إليه والذى يجعله يقول ما يخالف القرآن ويضعه فى موقع العصيان للرحمن..
أما الذى يحرص على نسبة ذلك الزيف للنبى بزعم أنها سنة النبى ويغلق عقله عن تدبر آيات القرآن الكريم فإنما يضع نفسه فى قائمة أعداء النبى دون أن يدرى، لأن السنة الحقيقية للنبى تطابق القرآن، ولأن القرآن و المنهج الذى كان يحكم به النبى عيه الصلاة والسلام، ولأن الله تعالى جعل مقياس العداوة للنبى هو فى إتباع الأحاديث الشيطانية التى ينسبها شياطين الأنس والجن لله ورسوله وهى تخالف الكتاب العزيز.
واقرأ قوله تعالى عن مشاهد يوم القيامة ﴿وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَىَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً. يَوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لّقَدْ أَضَلّنِي عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ الشّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً. وَقَالَ الرّسُولُ يَرَبّ إِنّ قَوْمِي اتّخَذُواْ هَـَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً مّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىَ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ (الفرقان 27: 31).
يندم المجرم يوم القيامة يتمنى لو اتخذ مع الرسول عليه الصلاة والسلام سبيلاً وليته ما اتخذ فلاناً خليلاً، ذلك الذى أضله عن الذكر- أى القرآن- إذن فسبيل الله ورسوله هو القرآن وهو الذكر، يقول تعالى: ﴿صَ وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ﴾ (ص 1).
ويندم على أنه أسلم قياده للشيطان فخذله الشيطان، ثم ينتقل القرآن إلى مشهد آخر يعلن فيه الرسول براءته ممن اتخذ القرآن مهجوراً، ولم يقل القرآن وقال الرسول يا رب إن قومى هجروا القرآن، وإنما قال "اتخذوا القرآن مهجورا" أى اتخذوه فى صورة كان فيها موجوداً وكان أيضاً مهجوراً، فكيف كان موجوداً ومهجوراً فى نفس الوقت؟ هذا هو ما يحدث الآن، فالقرآن معنا ولكننا نهجره إلى أقاويل أخرى تناقصه وتعارضه، وإمعاناً فى الكيد لله ورسوله نصمم على نسبة تلك الأقاويل للنبى...!! ولذلك يقول رب العزة فى التعليق ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً مّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىَ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ (الفرقان 31).
الأحاديث المزورة ليست سنة النبى:
إن هجر القرآن وعدم الاعتداد به هو عداء لله تعالى ورسوله، وهو خصومة للرسول تجعله يعلن براءته ممن يصمم على نسبة أقوال الزور إليه وهى تخالف القرآن الحكيم، علاوة على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقلها ولم يعرفها، بل إنه- كما هو معروف- نهى عن تدوين غير القرآن، وأمر بمحو أى كلام له : "لا تكتبوا عنى غير القرآن، ومن كتب غير القرآن فليمحه" . وعلى ذلك سار الصحابة، ما كان معهم كتاب غير القرآن وأول خطبة لعمر بن عبد العزيز قال فيها "أما بعد فإنه لا كتاب بعد القرآن وإنى متبع ولست بمبتدع.."
ثم حدثت الأهواء وانتشرت أحاديث منسوبة للنبى أتيح لها أن تكتب منذ القرن الثالث الهجرى كتابة منظمة، وكل منهم يكتب من الأحاديث ما يتصور أنه سنة النبى، وكل منهم يكتب ما يخالف به الآخر، بل ويناقض نفسه أحياناً فى الصفحة الواحدة، علاوة على ما فيها من أحاديث تتناقض صراحة مع الكتاب العزيز وما كان عليه خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.. ومع ذلك فقد اختلفوا فيما كانوا يكتبون، وعكفوا عليه قروناً من الزمان يختلفون فى هذه الرواية وذلك السند وتلك السلسلة، إلى أن فاجأنا غزو نابليون بونابرت فهرع الشيوخ إلى كتب البخارى يلتمسون منه العون والمدد أمام مدافع الفرنسيين فلم يغن عنهم البخارى شيئاً، بل اقتحم الفرنسيون الأزهر بخيولهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
هل للنبى أحاديث فى عذاب القبر؟
عذاب القبر وما يحدث فى اليوم الآخر وعلامات الساعة كلها تدخل فى نطاق السمعيات أو الغيبيات.. وهناك قسم كبير من الأحاديث المنسوبة للنبى فى كتب التراث تتحدث عن هذه الغيبيات منها أحديث علامات الساعة وقيامها والمهدى المنتظر وأحوال الآخرة والشفاعة والخروج من النار والمبشرين بالجنة.. كل تلك الأحاديث تدخل فى إطار الغيبيات والسمعيات.. والسؤال الهام الآن: هل قال النبى فعلاً تلك الأحاديث؟..
إن علماء الأصول يقولون أن أمور السمعيات أو الغيبيات لا تؤخذ إلا من القرآن الكريم والأحاديث المتواترة فقط..
ونتساءل ما هى الأحاديث المتواترة التى يمكن أن نأخذ منها أمور الغيبيات مأخذ العلم اليقين والتسليم؟
إن الحديث المتواتر هو الذى يفيد اليقين وليس محلاً للشك أو الظن، وعند أكثرية المحققين مثل الحازمى والشاطبى وأبى حيان والبستى والنووى فإنه لا وجود للحديث المتواتر.
وبعضهم أثبت أثبت وجود حديث واحد متواتر هو حديث "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" على اختلاف بينهم فى وجود كلمة "متعمداً" أو حذفها..
بعضهم ارتفع بالحديث المتواتر إلى ثلاثة أو خمسة.. ولكن ليس من بينها إطلاقاً حديث عن عذاب القبر أو نعيمه، وبالتالى فإن المرجع فى موضوعنا هو القرآن فقط..
وإذا نحينا الحديث المتواتر جانباً وجدنا أمامنا غير القرآن تلك الألوف المؤلفة من الأحاديث التى يقال عنها أحاديث آحاد والتى تفيد الظن ولا تفيد العلم واليقين، وبالتالى فليست محلاً للاعتماد عليها فى أمور الغيبيات والسمعيات كما قال علماء الأصول.
ونتساءل: إذن فلماذا نحتاج إلى وجود تلك الأحاديث التى تملأ كتب التراث وهى تتحدث بالظن والتخمين وليس بالعلم واليقين عن قضايا اعتقادية مثل الغيبيات والسمعيات؟.
كان ذلك مأزقاً شديداً أمام علماء الأصول، وخرجوا منه بأن تلك القضايا الغيبية قضايا خلافية اجتهادية، وكل فريق عزز مذهبه فيها بالأحاديث التى عنده، ولذلك امتلأت كتب الفرق الإسلامية مثل كتاب "مقالات المسلمين" بالاختلافات المتشعبة مع أنهم جميعاً مسلمون.
ونترك علماء الأصول وآراءهم واجتهاداتهم ونلتفت إلى القرآن الكريم نحاول الإجابة على نفس السؤال: هل تحدث النبى عن عذاب القبر، وبمعنى آخر: هل كان النبى يتحدث عن الغيبيات؟ وبمعنى آخر: هل كان النبى يعلم الغيب ويتحدث فى الغيبيات من واقع علمه بالغيب؟.. إن الإجابة على هذه الأسئلة من القرآن الكريم تستلزم منا أن نضع عناوين للعديد من الآيات التى تؤكد نفس المعنى الذى يحتويه العنوان والتى لا يستطيع المسلم إلا أن يقول لكل آية عبارة واحدة هى "صدق الله العظيم".
الله وحده هو الذى يعلم الغيب:
هذا المعنى تؤكده الآيات الكريمة الآتية ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاّ هُوَ﴾ (الأنعام 59). ﴿فَقُلْ إِنّمَا الْغَيْبُ للّهِ﴾ (يونس 20). ﴿وَللّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ﴾ (هود 123). ﴿وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ (النحل 77). ﴿قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ﴾ (النمل 65).
وكل الآيات الكريمة تؤكد نفس المعنى بأسلوب القصر والحصر، أى لا يعلم الغيب إلا الله، مثل قولك لا إله إلا الله.. لأن العلم بالغيب صفة إلهية..
- أن السنة الحقيقية هى اتباع القرآن، وأن القرآن يؤكد على أن النبى لا يعلم الغيبيات ولا يتحدث فى الغيبيات، إذن فالسنة الحقيقية للنبى تخلو من أى حديث له عن عذاب القبر وغيره من الغيبيات.. ذلك هو ما نستخلصه من القرآن العزيز..
2- إن علماء الأصول يقرون أن أمور الغيبيات لا تؤخذ إلا من القرآن والحديث المتواتر، وحيث أن الحديث المتواتر لا وجود له عند أغلب المحققين وحيث أن من أثبت وجود بعض الأحاديث المتواترة فليس منها شىء عن عذاب القبر، لذلك فالأحاديث الأخرى- أحاديث الآحاد- ليست مصدراً معتمداً ٌلإثبات عذاب القبر أو نفيه، لأن القرآن وحده هو المرجع.
3- إذا كان الله تعالى لم يعط النبى علم الغيب وإذا كان النبى لم يتحدث عن الغيبيات فإن غير النبى أولى بعدم معرفة الغيب، وبالتالى لا تؤخذ منه أقوال عن غيبيات القبر ولا يصح الاحتجاج به. ومع ذلك تحفل كتب الحديث بالأحاديث المنسوبة زوراً إلى النبى الكريم ومن بينها أحاديث تعرض للوسائل التى تنجى المؤمن من عذاب القبر مثل الموت يوم الجمعة أو ليلتها؟! أو الموت بداء البطن؟! فيزعمون أن الرسول قال: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر" وقوله "من تقتله بطنه فلا يعذب فى قبره؟!
من كتاب عذاب القبر والثعبان الأقرع للدكتوراحمد صبحي منصور.
المفضلات