حوار فكري في السجون لثنيهم عن معتقداتهم
هل ينهي مقتل أمير الإمارة الإسلامية إلى قتل الإمارة أم يعيد عناصرالتنظيم إحياءها
الحقيقة الدولية - غزة-علي البطة
هل يدفع مقتل أمير الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس ومسئول الجناح المسلح في الإمارة وعدد من عناصر الإمارة ، واعتقال وجرح العشرات الآخرين منهم في الاشتباكات المسلحة الضارية مع قوات الأمن الموالية لحركة حماس إلى إنهاء هذه الإمارة والمجموعات الموالية لتنظيم القاعدة ، أم يعود العناصر أشد قوةً وأصلب عوداً من قبل ؟ وكيف ستتعامل حماس وحكومتها مع تداعيات المواجهة ؟.
لم تقتصر إجراءات حركة حماس وحكومتها على الاشتباك الناري مع نحو أربعين مسلحاً ينتمون للإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس التي أعلنها الدكتور عبد اللطيف موسى في خطبة الجمعة الأخيرة من مسجده "ابن تيمية" في مدينة رفح جنوب قطاع غزة ، بل طالت إجراءات احترازية أخرى لتضييق الخناق على هؤلاء.
حزمة إجراءات اتخذتها أجهزة امن حكومة حماس لمحاصرة فكر الجماعات السلفية الجهادية في قطاع غزة ، فإضافة إلى الإجراء العسكري ، هناك السجال الفكري والعلمي الذي سيقوده مجموعة من شيوخ حماس وشيوخ السلفية الدعوية لإقناع من تبقى من عناصر المجموعات الجهادية بالعدول عن فكرهم إلى الفكر الوسطي للإسلام.
لكن يسأل كثيرون من الفلسطينيين ، عن الأسباب التي دفعت عدد من ابرز نشطاء كتائب القسام الجناح المسلح لحماس وسرايا القدس الجناح المسلح للجهاد الإسلامي إلى الانتقال إلى صفوف الجماعات السلفية الجهادية .
تشكلت الجماعات السلفية الجهادية في الأساس من أربعة روافد أساسية : إذ قدم قادة السلفية العقائديين والمنظرين الأساسيين لهذا الفكر من بين جماعات السلفية الدعوية التي تنبذ القتال ، هؤلاء الشيوخ استمالوا بأفكارهم عدد من نشطاء حماس العسكريين الناشطين في مجموعاتهم ، وكانت سرايا القدس رافداً ثالثاً لهذه الجماعات ، بينما كان بعض المتدينين من عناصر الأمن الفلسطينيين الموالي لحركة فتح الرافد الرابع الذي يشكل هذه القوة .
ويرجع العديد من المطلعين على خفايا الأمور أسباب رحيل بضعة عشرات من عناصر الجناح المسلح لحماس إلى جماعة أنصار جند الله إلى ارتباطهم بزعيم الجماعة خالد بنات المشهور في الأوساط بـ"أبي عبد الله المهاجري أو السوري" ، والذي فارق جناح حماس العسكري بعد موافقتها على هدنة طويلة مع إسرائيل (2008).
قدم المهاجري الذي قتل إلى جانب موسى إلى قطاع غزة عبر نفق على الحدود المصرية الفلسطينية جنوب قطاع غزة مع عدد غير معروف من المقاتلين العرب في نهاية العام 2006 حسب التقديرات ، وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس يومذاك إلى التحذير من انتشار عناصر تنظيم القاعدة في مناطق جنوب قطاع غزة .
وتولى المهاجري وشخص آخر قدم معه التنظير لنظرية قتال "حرب الشوارع" مع عدد محدود من العناصر المنتمية لجيش الإسلام وفق مفاهيم عملية مارسها الرجلان في جبهات القتال في عدة دول قبل أن يصلا إلى غزة .
لم تترك إسرائيل المهاجري يتحرك بحرية في قطاع غزة ، فطاردته من الجو والبر أكثر من مرة في محاولة لتصفيته ، ويذكر مقربون منه أنه نجا من قصف جوي عنيف استهدف موكب سيارات كان يتخفي فيه الرجل غرب خان يونس قبل سنتين ، وكثفت إسرائيل ملاحقته بعد تدبيره عملية "الخيول المفخخة" ضد موقع عسكري لها شرق غزة قبل شهر ونصف تقريباً.
فارق المهاجري حماس نهائياً منتصف (2008) بعدما عمل قدم جزءاً من خبراته القتالية لجناحها العسكري ، وبدأ في إقامة جماعة مستقلة أطلق عليها اسم "جند أنصار الله " أخذت في التنامي من بين صفوف حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم من الجماعات في غزة.
ويقول مقربون من " جند أنصار الله " : إن حماس منحت المهاجري موقعاً عسكريا لتدريب عناصره على أساليب القتال ووسائله العديدة ، ويشير المقربون إلى مصادرة الموقع فور وقوع الاشتباكات عصر الجمعة الماضية .
ووجد موسى في المهاجري القائد العسكري الذي يتكأ عليه لتأسيس جناح مسلح شبابه ذو بأس شديد في القتال ، فبدأ الاثنان في المقاربة الفكرية والعقدية والسياسية فوصلا إلى اللحظة التي شكلا فيها مفاهيم الإمارة الإسلامية .
موسى والمهاجري ليس كسابقيهم ممن تصدروا لقيادة بعض جماعات السلفية الجهادية الموالية للقاعدة كـ"جيش الإسلام ، وجيش الأمة" ، فالاثنان يشكلان مرجعيتين عقدية وعسكرية لا يستهان بها ، فكانا مصدر الهام وانبهار من الكثيرين من الشباب الذين التفوا حولهم للسعي لتنفيذ أفكارهم من تحيكم الشريعة ومحاربة الفساد وغيره .
ويرى الدكتور يونس الاسطل أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية والنائب عن حماس في المجلس التشريعي أن هذه المجموعات تحمل فكراً متطرفاً ينظر إلى حركة حماس منذ دخلت المعترك السياسي في المجلس التشريعي على أنها "أصبحت مرتدة، وحكومتها كافرة"، مبيناً أن ما يزيد قناعتهم هذه بأنهم يرونها لا تطبق الحدود ولا تمنع مظاهر الفسوق كالأفراح الماجنة والتبرج، لذا فإنهم يستبيحون دماء الحكومة وحركة حماس على حد سواء تطبيقاً لحكم الردّة عليهم، مستندين في ذلك إلى اعتبار أن قانون السلطة الأساسي علماني والمجلس التشريعي مشرك بالله في حاكميته، بالاستدلال إلى ظواهر بعض النصوص لقوله تعالى "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
ويقول الاسطل "لا نشك بأن نوايا معظم أولئك الشباب حسنة" لأنهم ينطلقون في تصرفاتهم من الاعتقاد المبني على التأويل بأنهم يريدون إقامة الشريعة بحسب تصورهم الضيق"، ويضيف "إذا أحسنّا الظن فنصنفهم على أنهم جماعة شباب مخطئون في الاجتهاد في حمل النصوص التكفيرية على ظاهرها"، لأن الحكم بغير ما أنزل الله إن كان عن جحود فهو ردّة، وإن كان عن تقصير فهو معصية أو كبيرة، لكنها لا تخرج أصحابها من الملّة، " فكيف إذا كانت الحكومة حريصة على تطبيق الشريعة إيماناً بأن هذا من أوجب واجباتها" غير أنها تعتقد أن الناس قد تفّلتوا من الدين عقدة عقدة، وأنه يستحيل ردهم إليه جملة واحدة، فالتطبيق يكون بالتدريج أسوة بالله في التدرج في التشريع وتحاشياً لكل الفتن والمصائب التي تنجم عن تطبيق الأحكام جملة واحدة.
وأكد أن الحدود هي آخر ما يطبق وليس أوله، وأن هناك خمس تجارب إسلامية بدأت بتطبيق الحدود ثم اضطرت للتراجع عنها وهي السودان، باكستان، إيران، ولايات بماليزيا، وأخرى بنيجيريا، ذلك لأن الحدود لا تطبق إلا إذا توفر للناس حاجاتهم الأساسية بطرق ميسرة، فمن ترك الحلال الميسور هنا وذهب للحرام المعسور أقيم عليه الحد، كما أن الحدود لا تمثل إلا هامشاً ضئيلاً في الشريعة الإسلامية.
ولجأت حماس بعد أشهر من الحوار والجدل الفكري والعقدي الذي لم يجد كثيراً مع عدد كبير من نشطاء الجماعة في قطاع غزة إلى استبدال الحوار بإجراءات قاسية بحق منتسبي هذه الجماعات .
فشنت أجهزة الأمن حملة اعتقالات واسعة في صفوف عناصر الجماعات السلفية الجهادية وأنصارها ، فطالت الحملة حوالي (120) شخصاً ، اعتقلوا في اليومين الأخيرين، حسب بعض المصادر الأمنية في غزة .
وتسعى حماس إلى محاورة هؤلاء داخل السجون لثنيهم عن قناعتهم المخالفة لقناعات حماس ، خصوصاً انتقاد هذه الجماعات حماس لعدم تطبيقها الشريعة الإسلامية والاحتكام إلى القانون الوضعي .
وتحاول حماس أن تحصن صفوفها وعناصرها من أفكار الجماعات ، فاتخذت سلسلة إجراءات وقائية لحماية عناصرها من التأثر بهؤلاء إلى درجة منع عناصرها من المشاركة في تشييع أي من قتلى الجماعات السلفية الجهادية مؤخراً ، أو ارتداء الزي الأفغاني .
أضحت حماس وحكومتها اليوم أمام استحقاق جديد : كيف توقف فكر هذه الجماعات الذي وصل إلى العديد من عناصر حماس ، فلم يأبهوا بقرار منع قيادة حماس المشاركة في التشييع التي سعت حماس إلى قصرها على ذوي القتلى فقط ، فإذا بالمئات يشاركون في التشييع الذي علت فيه صيحات التكبير والتهليل.
ويقول خبراء في شؤون الحركات الإسلامية في غزة : إن إجراءات حماس الصارمة لن تقضي على فكر هذه الجماعات ، ويشيرون إلى تجارب سابقة في عدة دول نحا فيه أصحاب هذا الفكر إلى التشدد بعد الاعتقال أكثر من قبله .
ويوضح الخبراء أن حماس أمام خيارين صعبين في التعامل مع هذه الظاهرة : الخيار الأمني ، والخيار الفكري الذي يتماهى مع مطالب هذه الجماعات الداعية إلى تطبيق الشريعة دفعةً واحدة ، دون اللجوء إلى التدرج الذي تنتهجه حماس ببطء حالياً .
المصدر : الحقيقة الدولية - غزة-علي البطة- 17.8.2009
المفضلات