من أخطر ما يواجه الحياة الزوجية.. الجفاف الذي يخيم عليها، حيث يجد أحد الأزواج عند الطرف الآخر مشاعر متبلدة، و عواطف متجمدة، تؤدي إن استمرت إلى ضياع الأسرة وتشتت الشمل وإطفاء نور المودة.
الذكي من الأزواج هو الذي يسعى إلى تغيير الروتين "الممل" و إذكاء روح البهجة و المودة في بيته، فكم للمداعبة و التودد و الترفق بين الأزواج دور كبير في إضفاء السعادة على بيت الزوجية.
تأمّلوا :
كانت عائشة رضي الله عنها تشرب من الإناء فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فيه على موضع فيها و يشرب ، و كان يضع رأسه في حجرها- وهي حائض- فيقرأ القرآن.
و كانت إحدى زوجاته نائمة بجانبه فحاضت- تقول: فانسللت..فشعر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنفست- يعني: أحضت- قالت : نعم، فأدخلها في فراشه، فأي "ود" بعد هذا؟ وأي رحمة بعد هذه؟ مع ما يقابل ذلك من ذكاء الزوجة وتحببها إلى زوجها تقول عائشة رضي الله عنها: كان الحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد فيحملني الرسول صلى الله عليه وسلم على ظهره لأنظر إليهم، فيقول : انتهيت، فأقول: لا ، حتى أعلم مكانتي عنده.
و الزوجة الطيبة هي التي تفعل ما يحب زوجها، و تتجنب ما يكره، و يجب أن تحفظ هذا و لا تحتاج إلى أن يكرر عليها ذلك في كل وقت.
تأمّل: تزوج رجل بامرأة فأخذ تفاحة فأكل جزءاً منها، و أعطى زوجته ما بقي، فأخذت سكيناً فقال: ماذا تريدين أن تفعلي؟
قالت: أزيل آثار أسنانك، فطلقها.
أتتصورون لو أدخل الزوجان على حياتهما شيئاً من اللين و الرفق و التغيير، هل يبقى بعد ذلك ملل؟ و مع ما ذكرت إلا أن الواجب عدم التفريط بالمحبة أو النفور الشديد.. و كما قيل.. كلا طرفي قصد الأمور ذميم .
و لينتبه الزوجان إلى أمر يهدم البيت القائم على أقوى أساس، و المرتفع غاية الارتفاع و هو أن تقارن المرأة حياتها بأخرى وتتمنى لو حلت بمكانها، أو يقارن الرجل زوجته بتلك المرأة.
و ليثق كل من الزوجين.. أن لدي شريكه من الصفات ما ليس لدي هذا الذي يطمح إليه عقله ، و لكن لأن المرء البعيد عنك و لم تخالطه بكثرة ترى انه قد جمع من صفات السعادة ،و لو خالطته لرأيت عجبا، و مما يؤدي إلى هذه المقارنة الزهد فيما تحت اليد، و الطمع في البعيد، و هذا حال غالب الناس أن يتمنى شيئاً ليس تحت يده.. إلا من رحم الله.
و مما يكسر هذه المقارنة.. أن تنظر إلى عيوب ذلك الإنسان و تقارنه بما تراه عيباً في شريكك، فلربما حملك هذا على أن ترى عيوب شريك حياتك بالنسبة لعيوب ذلك محاسن.
و على الإنسان أن يعامل شريكه و صاحب سفره من الجوانب الطيبة التي عنده، فهنا يصبر على ما عنده طمعاً في تغير حاله إلى الأحسن.
و لا أعني أن يسكت عن العيوب التي لا يمكن السكوت عنها، كمن تشوه سمعة زوجها أو تنم بين الناس فتهدم بسببها البيوت أو تفشي أسرار بيته، مما لا يعالج إلا بصعوبة بالغة، أما الأخطاء التي ليس لها أضرار كبيرة و لا تؤثر على الحياة الزوجية فالواجب أخذها بسعة الصدر و إستعمال ( غض النظر كثيراً معها..) حتى لا تغرق السفينة.
و هذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يفرك مؤمن مؤمنة إذا كره منها خلقاً رضي منها آخر ": ( لا يفرك: أي لا يبغض) فأي تربية وتوجيه أعظم من هذا؟
قال زوج: زوجتي عندها نقص في بعض الجوانب التي تنفّر منها أحياناً و أراها جوانب سيئة، و لكن فيها من صفات الخير الكثير، فهي رقيقة القلب، فيها رحمة بوالدتي و أولادي، كريمة سخية و لذا فإنني أتعامل معها من هذه الجوانب الطيبة.. لا الجانب السيئ و لذا فإن حياتي تسير على ما يرام.
و من الذي ينعم بحياة كاملة لا يرد عليها النقص؟!.
إن الذي يفتح بابه للناس يرى من مشاكلهم عجباً، فكم من المحزن أن ترى بيتاً أسسه شاب وفتاة في عمر الزهور، ثم ما يلبث هذا البيت أن يهدم، فتضيع الأحلام، لقلة الخبرة، أو لعدم التجمل بالصبر، فتعود الفتاة مطلقة تموج بها الفتن، ويعود الرجل بائساً، ويعود الأولاد مشتتين.
فالصبر.. الصبر أيها الأزواج، وعليكم بمعالجة هذا الجفاف بوابل من أمطار العاطفة، تعيد إلى بيوتكم الحياة والأمل.
و دمتم بكل ود
المفضلات