مدلولات القمعة والتقميع في اللغة: من بين المعاني المتعددة لكلمة قمعة في معاجم اللغة، أنها تشير إلى ذلك الجزء الصغير الذي يلتصق بأسفل التمرة، والواضح أن الناس ومن خلال الاستخدام اليومي قد عمموا هذا المفهوم ليشمل كل الأجزاء الصغيرة التي تتصل بأسفل الثمار، بما في ذلك القمعة المتشبثة بمؤخرة قرن الفاصوليا، ويبدو كذلك أن الضرورات اللغوية قد اضطرت العامة الى تطويع اللغة لتؤدي دورها في التعبير عن المعاني، فاشتقوا الفعل من الاسم، وأطلقوا لفظ التقميع على اقتلاع القمعة من أسفل قرن الفاصوليا مع إزالة ما علق بها من ألياف وعروق دقيقة غير مرغوبة !.
ألف باء تقميع الفاصولياء : ترتبط عملية تقميع الفاصوليا بصورة ربة المنزل التي تجلس مع جاراتها، وقد احتضنت وعاء كبيرا، فيه كمية من قرون الفاصوليا الخضراء، وإلى جانبها وعاء آخر فارغ، وأثناء قيامها باستخدام السكين لنزع القمعة ومحلقاتها من الفاصوليا ووضعها في الإناء الآخر بحركات شبه آلية فإنها تتجاذب أطراف الحديث مع الجارات، يفترعن له دوربا وشعابا وشجونا شتى، وما أن تنتهي الجلسة بعد ثلاث أو أربع ساعات حتى تكون ربة البيت إياها قد انتهت من الحصول على مخرجات عملية التقميع، دون أن تحرم نفسها من مشاركة الجارات الحديث والاستماع والضحك والولولة...
طريقة تقميع الفاصوليا كأسلوب في الإنتاج
كثيرا ما أتذكر نهج عمل أمي وجاراتها ومن بعدهن زوجتي وصويحباتها في تقميع الفاصوليا، وذلك حين أراقب الطريقة التي يعمل بها كثير من الموظفين، خاصة في المؤسسات الخدمية، سواء أكانت مؤسسات قطاع خاص أم قطاع عام، فهم لا يستغنون أثناء تأدية مهامهم عن الأحاديث المطولة، واستقبال الهواتف الخلوية والأرضية، وقراءة الصحف واستقبال الضيوف، والقيام بأي عمل آخر، بينما يقرأوون التقارير أمامهم، أو يكتبونها، أو يؤدون الخدمة للمواطن أو للعميل، مما يجعلني أجزم أن عدد المتأثرين بمنهج تقميع الفاصوليا في أداء أعمالهم كبير، وأن حجم تأثرهم به غير يسير، على نحو يجعلهم يمطون العمل ويطيلونه ويتباطؤون فيه بما يتناسب مع نشاطاتهم الشخصية الأخرى، دون إحساس بالإلحاح ومقتضيات السرعة وقيمة الوقت.
طريقة تقميع الفاصوليا
تثبت أن العمل يتمدد : ثمة قاعدة في علم الإدارة تسمى قاعدة باركنسون وتقول العمل يتمدد ليملأ الوقت المتاح لإنجازه فتقميع وعاء الفاصوليا الكبير ما كان ليستغرق أكثر من ربع ساعة لو كانت ربة المنزل على عجلة من أمرها، أي لو كانت تعد الطبخة لنساء سيزرنها بعد ساعة، أما وقد كان الوقت أمامها مفتوحا فقد تمددت عملية التقميع لتستغرق كل الوقت المتاح.
ولهذا السبب فقد أفلح نابليون حين قال ((إذا كان لديك عمل مستعجل فكلف به شخصا مشغولا)) فالمشغول أعمق إدراكا لقيمة الوقت، وأكثر استشعارا لإلحاح العمل، وأشد فهما لضرورة تحديد نهايات لموعد إنجاز المهمات، وهذا أيضا ما جعل بعض المتمرسين في الإدارة يقولون ((كلما كان الوقت المتاح لإنجاز العمل أقل، كلما كان العمل المنجز أكبر وأكثر)).
تقميع الفاصوليا كمعيار لقياس الكفاءة : إذا كان مفهوم الكفاءة يشير إلى نسبة ما بين المدخلات والمخرجات، وإذا كان الوقت هو المدخل الأساسي في عملية التقميع، فإن استغراق ثلاث ساعات في تقميع محتوى وعاء يمكن تقميعه في ربع ساعة، يشير الى كفاءة شديدة التدني، وبالتالي يمكننا استعارة عبارة تقميع الفاصوليا للتعبير بواسطتها عن كل كفاءة حادة التدني..
فليس من المعقول أن يسهر العلماء والمخترعون الأجلاء الليالي ليطوروا بعض عمليات الكمبيوتر لتكون أكثر سرعة بأجزاء من الثانية، بينما يكون منهج المجتمعات المتخلفة في العمل والانتاج مطابقا لمنهج تقميع الفاصوليا، ويظل مستهجنا أن نحسد المجتمعات الأخرى على تقدمها وارتفاع دخلها وانتصاراتها، مع أنها تؤدي الأعمال على أساس منهج البقاء للأسرع ونؤديها نحن على منهج تقميع الفاصوليا .
تقميع الفاصوليا منهج حياة..
اهتمامك بمقارنة أداء الموظفين في العمل بطريقة تقميع الفاصوليا، ربما ستجرك الى التوسع في مراقبة سلوك كثير من الناس في العيش وممارسة الحياة، وربما ستجدها حينها شديدة الشبة بمنهج تقميع الفاصوليا أيضا، فجوهرها الاستهانة بالوقت وقلة الانجاز.
فضل الفاصوليا على سائر الخضروات
لكي لا يفهم أحد أني فيما أسلفت أقلل من شأن الفاصوليا، أو من شأن تقميعها، يجب أن أذكر أنه يكفي الفاصوليا شرفا ما ذكره حولها الدكتور صبري القباني في كتابه الشهير الغذاء لا الدواء من أنها تحتوي على ثلاثة إلى خمسة أضعاف ما تحويه الخضروات الأخرى من البروتين.
كما أن تقميع ربة البيت لها على هذا النحو، قد يكون من قبيل استغلال وقت التسلية في أداء عمل ما، بعد يوم جهد طويل وشاق، فالمهم الذي قصدته إذن ألا يكون منهجنا في العمل الوظيفي أو في العيش مماثلا لمنهج تقميع الفاصوليا.
المفضلات