[grade="000000 008000 000000 008000 000000"]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسلحة النور
"تناهى الليل واقترب النهار، فلنلبسْ أسلحة النور"
عن أيّ ليلٍ وأيّ نهار يتكلّم بولس الرسول هنا؟ إنّ آلمته "إن خلاصنا الآن أقرب مما آان حين
آمنّا"، تشير إلى أنّه يتكلّم عن اقتراب مواجهة الله إذ اقترب موعد وفاة آلّ منّا الآن أآثر مما آان قبلاً، أو
موعد مجيء السيّد الآن أقرب مما آان يوم آمنّ ا. وفي آلا الحالتَين نستنتج أنّ آلمة ليل تعني بلغة
بولس الرسول هنا "شكل هذا الدهر " وأمّا "النهار" فيعني به "شكل الدهر الآتي ". والفارق بين
الشكلَين هو أن الأوّل ممزوج بأعمال الظلمة بينما الثاني هو شكل حياة النور والطهارة . لذلك ما دام
"يتناهى الليل ويقترب النهار" هذا يقتضي منّا أن نلبس أسلحة النور ونعمل بها.
يقابل بولس "الليل" بحياة القصوف والسكر والمضاجع غير الطاهرة والعهر والخصام والحسد ...،
الليل هو شكل الحياة دون أعمال الفضيلة . لذلك يقول الربّ يسوع منبئاً عن أيّام آلامه وموته : "سيأتي
٤). يستخدم ، ليل لا يستطيع أحدٌ أن يعمل فيه "، فعليه أن يعمل ما دام نهار ويعمل أعمال أبيه (يو ٩
بولس هنا آلمة ليل بمفهومها ومعناها السلبيّ، حيث يعبّر هذا المعنى ل "الليل" عن زمن انحلال المُثُل
٢)، وفيه ينشط مبغضو النور الزناة ، وهيمنة الرذائل، فيه "تظهر وحوش الغاب المفترسة " (مز ١٠٤
واللصوص والقتلة . فالليل هو زمن، بهذا المعنى، للشرّير والأشرار . ويترك الليل في النفس البشريّة
مرّات عديدة مشاعر الخوف والرهبة والجهل حيث تتعطّل حواس الإنسان، وأهمها النظر - المعرفة -
٦). وعندما صُلب يسوع "صارت ، الاطمئنان، عن الإدراك . لذلك يترقّب الإنسان انبلاج الفجر (مز ١٣٠
ظلمة على الأرض"! ويوم القيامة هو يوم الأنوار.
أمّا أعمال "النهار" فهي الأعمال التي يريد صاحبها أن يُبرزها إلى النور دون خوف ولا وج ل. لأنّها لا
تعادي الآخر الذي سيراها، عكس أعمال الليل المؤذية التي يجب على من يعملها أن يقترفها خفية عن
الآخرين المتضرّرين . يوحي النهارُ بالثقة والمعرفة والاطمئنان والوضوح، والأهم من ذلك يوحي بالمشارآة
٣٦ ) ويحثنّا ، مع الآخر وليس بالتخفي عنه آما في الليل . لهذا يوصينا ال سيّد "آونوا أبناء النور " (يو ١٢
٤ ،١٤ – ١١ ، رو ١٣
أحد الغفران (أحد مرفع الجبن)
٢
"سيروا ما دام لكم النور "! في النور يسلك الجميع بلياقة وترتيب لا يعانده ضمير . لذلك النهار مطمئن
، ومحبوب. وبعض الناس يحبّون الظلمة فقط لأنّ أعمالهم توبَّخ في النور . "الله نور لا ظلام فيه " ( ١ يو ١
٥)، لذلك لا شرآة لمن يحبّه مع أعمال الظلمة . فما دام اقترب النهار، يقول بولس الرسول، "لندعْ عنّا
أعمال الظلمة ونلبسْ أسلحة النور لنسلكنّ سلوآاً لائقاً آما في النهار".
"الصوم" هو من أسلحة النور . وهذا ما يشير إليه بولس عندما يشدّدنا من أجل تجنّب بعض
الأعمال القبي حة. لذلك تقرأ لنا الكنيسة المقدّسة هذا المقطع من رسائله على عتبة الصوم الكبير . إنّ
الصوم الكبير هو شكل من الدهر الآتي وليس على شاآلة أعمال هذا الدهر الليليّة . يضعنا الصوم في
الصحو ويجعل أعمالَنا آلَّها تحت برآة العين الإلهيّة . لهذا يُنقّي الصوم طعامنا وأعم النا، آما ينقي الحاصد
١٢ ). لهذا يقول ، القمح من الزؤان في البيدر . "مَن يتبعني لا يمشي في الظلام، بل له نور الحياة" (يو ٨
بولسُ الرسول "لا تهتمّوا لأجسادآم لقضاء شهواته ا"؛ لكنّه لا يقول "لا تهتمّوا لأجسادآم " بل يشدّد
"لقضاء شهواتها" الليليّة، ويعني بهذه الشهوات، آما سبق وعدَّد: الخصام والحسد والعهر والسكر...
الصوم هو سلاح نور، لأنّه آما يفرز الصومُ الأطعمةَ بين مناسبة وغير مناسبة بالوقت ذاته يفرز
الأعمالَ بين نيّرة ومظلمة . لقد اقترب النهار، نهار الفصح المجيد، ونهار لقائنا بالربّ هنا، أو هناك؛ لذلك
لنلبس الصوم سلاح النور، ولنبتعدْ عن أعمال الظلمة لنسلك بشكل لائق بالنور، أي بالعفّة . والعفّة هنا
هي غاية الصيام، وهي آلمة لا تنحصر في عفّة الجسد الجنسيّة وإنّما تشمل آلّ شهواته، الطعام
والسكر والخصام...
هكذا صرخ بولس بهذا المعنى في مكان آخر "تيقظْ (قمْ إلى النهار ) أيّها النائم وقمْ من بين
١٤ ). ولهذا مَن يصوم حقّاً ويحيا في عفّة ، الأموات (الأعمال غير الطاهرة ) فيضيء لك المسيح " (أف ٥
الجسد، فيهتم به وليس بشهواته، هذا وإن نام في ليل اليوم الطبيعيّ يقول مع نشيد الأنشاد "إنّي
٢). لكن السيّد يقول "استحلفكنّ... ألاّ تنهضنَ ولا تنبّهنَ ، نائمة لكنّ قلبي مستيقظ " (نشيد الأنشاد ٥
الحبيبة (النفس البشريّة) حتّى تشاء".
نعم، البسوا سلاح النور، ولقد تناهى الليل وتقارب النهار، هذه الكلمات الوديعة والقويّة تستنهض
مشيئة الحبيبة- النفس البشريّة دون إآراه لتكون في صوم ونهار؛ آمين.[/grade]
المفضلات