لطالما كانت العلاقة بين شيوخ الوهابية وشيوخ الصحوة تشبه علاقة العاشقين الذين يخشون الخيانة. علاقة ملتبسة ومليئة بالشكوك والارتياب، ولكنها أيضاً علاقة مفعمة بالحب والتلاحم لدرجة يصعب على المحللين رؤية الفرق بين الشيخ الوهابي والشيخ الصحوي.
الصدام الأكبر الذي حصل بين الوهابيين والصحويين هو اختلافهم الجذري إبان حرب العراق، عندما شرعن شيوخ الوهابية دخول القوات الأمريكية لمواجهة قوات صدام الغازية، في الوقت الذي عارض فيها شيوخ الصحوة هذا الدخول، الأمر الذي أدى إلى تدخل الدولة ولجمهم. من الواضح أن شيوخ الصحوة يستمدون رؤيتهم من ذات المعين السلفي النصوصي، الذي تستمد منها الوهابية رؤيتها للدين والحياة، ولكن الصحوة، على عكس الوهابية اتخذت طابعاً أخطبوطياً، مماثلاً في تركيبته للحركات اليمينية، حول العالم، التي تبرع في التغلغل إلى الشبكات الاجتماعية المعقدة.
كما يرى العديد من المحللين لظاهرة الصحوة، فإن لها أهدافاً سياسية بالإضافة إلى أهداف اجتماعية، بعكس مشائخ الوهابية المتحالفين بشكل وثيق مع الدولة السعودية. بسبب هذا الفرق الجوهري يمكن التعرف على روح العداء بين الطرفين. وهو ما خلق الشقاق والتنافر بينهما، الأمر الذي غلف دائماً بدبلوماسية مكشوفة.
ولكن بعد تبخر حلم الصحوة في السيطرة السياسية لأسباب متعددة، إلا أن روح العداء بين شيوخ الوهابية تزدهر من جديد هذه الأيام، ولكن لأسباب مختلفة كلياً، ولم تكن تخطر على بال أحد لو قيلت له قبل 10 سنوات.
تقول مصادر مطلعة لـ" السياسي" إن شيوخ الوهابية الكلاسيكيين باتوا يرددون في مجالسهم الخاصة اتهامات للداعية سلمان العودة، وأحد رموز الصحوة سابقاً، ويرون في خطابه الذي يقدمه في التلفزيون أو المقالات أو المحاضرات خطاباً يهدف إلى تذويب العقيدة الدينية القويمة التي يحافظ عليها شيوخ الوهابية.
ويرى شيوخ الوهابية أن شيخ الصحوة الشهير يقوم بعمل خطير جداً يفوق حتى الشخصيات الليبرالية، عندما يقدم نفسه بصورة رجل الدين ولكن الأفكار التي يروج لها تتعارض مع أسس التفكير السلفي، الذي يعارضه رجال الدين الوهابيون.
وقد أبدى العودة خلال السنوات الماضية خطوات كبيرة لتحديث الخطاب السلفي، وجعله أكثر معاصرة للحياة، فقد أثار تحليله للاحتفال بعيد الميلاد جدلاً واسعاً، كما أن فتاواه المخففة التي يعلن عنها بين فترة وأخرى لا تنسجم مع أفكار المشائخ الكبار، ويظهر العودة بشكل مضمر عشقه للأدب والغناء والدراما (لا يرى بأساً في مشاهدة مسلسل "طاش ما طاش" الذي حرمه شيوخ الوهابية) وكل هذه الأشياء تعتبر خطيئة لرجل دين صادق بحسب الرؤية الوهابية.
ولكن هجوم الوهابية لم يقتصر بالسر على العودة، ولكنه خرج مؤخراً للعلن عندما هاجم مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل شيخ الداعية الصحوي الشيخ عائض القرني، بعد تعاونه مع الفنان الشهير محمد عبده. فقد قال مفتي المملكة في تصريحات صحافية: "ينبغي أن ننزّه القرآن والسنة وآداب الإسلام عن أصوات المغنين. إنه ينبغي أن تكون هناك نظرة فاحصة في الأمر"، وأبدى المفتي خشيته "من أن يكون هذا النوع من التعاون إحياء للسماع الصوفي الذي “لا خير فيه".
ويعتبر هذا التصريح من رأس المؤسسة الدينية السعودية إعلان عداء على القرني، بالرغم من أنه اشترط عدم وجود ألحان موسيقية في الأغنية، ويكشف عن عدم رضاء الوهابيين عن تصرفات الصحويين التي باتت تتقارب من أطياف كثيرة في المجتمع، تنعزل عنها الوهابية مثل الفنانين والكتاب والمذيعين.
ومن جهة أخرى، فإن التهم بتذويب العقيدة، التي تلاحق العودة، هي ذاتها التهم التي تلاحق القرني ولكن على مستوى أقل، خصوصاً بعد ما أظهر ميلاً معتدلاً حتى مع الغرب، عندما كتب مقالاً كاملاً يمتدح فيه فرنسا والفرنسيين، الأمر الذي أعتبر تهديداً كبيراً لعقول الناس.
لقد بات واضحاً الآن أن الصحويين مثل العودة والقرني هم الخائنون في هذه العلاقة الملتبسة، والخائن هو من يتلقى الشتائم والتهديد.
المفضلات