ورق وخيطان وعيدان من الخشب ، شكلت المواد الخام لطيارة تحلق بلا وقود أو ركاب ، والبدايات المتأرجحة لحلم الانسان القديم بالطيران ، والتي بدأها العربي عباس بن فرناس في القرن التاسع الميلادي ، ومن ثم الايطالي ليوناردودافنشي في القرن الخامس عشر وغيرهم.
''طيارات '' لهث وراءها الصغار ، اتاحت لهم انطلاقا نحو فضاء واسع قبل ان يزدحم بأطباق جعلت العالم في متناول اليد بكبسة زر ، وكانت تجهز في البيت من ورق التجليد الذي تغلف به الكتب والدفاتر المدرسية ، ويتم تجربتها اكثر من مرة لمعرفة قدرتها في الارتفاع عن سطح الارض.
خيارات محدودة من الألعاب في العطلة الصيفية أيام زمان ، جعلت هذه الطيارات أكثر شعبية بخاصة بين الأطفال الذكورالذين كانوا يتباهون بمهارتهم في التحليق بها على ارتفاعات متفاوته بحسب علو السطح الذي يقفون عليه ويطلقون منه طياراتهم .
عرفت طيارات الورق في اساطير وثقافات شعوب قديمة كثيرة ، حملت قصص وزهور وطيور وحيوانات ورموز مختلفة، احبها الصغار وتفاءل بها الكبار ، ويرجح بأن النجار الصيني الشهير ''لوبان '' في القرن الخامس قبل الميلاد اول من اخترع هذه الطيارة التي انتشرت فيما بعد الى العديد من دول شرق اسيا وكانت تصنع من الورق ثم استبدلت بالنايلون ، ويقال بأن الصينيين كانوا يستخدموها في عقاب المذنبين حيث كان يتم ربطهم بالطيارات الورقية.
في خمسينيات القرن الماضي تطورت هذه الطيارات في الشكل والمواد الخام التي تصنع منها ، وتعددت استخداماتها فكانت تقوم بسحب العربايات و طي الطوربيدات وتحديد اهداف المدفعية ورصد الحالة الجوية ، وتميزت بجمال الوانها وتعدد اشكالها وغلب عليها رسوم لأنواع مختلفة من الحيوانات والطيور، أشهرها ماهو على هيئة طائر السنونو ، مما شجع على اقامة مهرجانات ومسابقات في فصلي الربيع والصيف لهذا النوع من الطيارات .
اكبر طائرة ورقية في العالم ، دخلت موسوعة جينيس ، حلقت في مهرجان بورتسموت بجنوب انجلترا في اواخر آب 2004 ، وكانت تحمل علم الكويت ، وقدرت كلفتها ب75 ألف دولار امريكي ، ووصل وزنها 300 كغم ، وطولها 5ر25مترا وعرضها 40 مترا ،و استهلكت 2500 مترا من القماش واحتلت في الفضاء مسافة قدرت ب1019 مترا مربعا ، واحتاجت 750 ساعة لخياطتها بدقة خوفا من تجويف يسهل تدفق الهواءإلى داخلها ..
وفي تصريحات لوسائل الاعلام المختلفة قال المشرف على فريق العمل الذي انجز الطيارة العملاقة ''عبدالرحمن الفارسي '' : الطيارات الورقية تحتاج تقنية عالية ، فهي مثبته في الأرض بحبال مرنة تمنح الطائرة القدرة على الإرتفاع إلى درجة عالية معتمدة على القوة الناتجة من ضغط حركة الرياح على جسم الطائرة، في حين تعتمد المناطيد على امتلائها بالغازات فقط '' .
داعبت ''طيارات ورق '' خيال الكتاب والمبدعين، وكانت عنوانا لاكثر من مؤلف ، منه كتاب حمل ذات الإسم للإعلامية الليبية سكينة بن عامر تقول : بأن الطيارة الورقية جزء هام من التراث المشبع بالعفوية والبراءة والحكايا التي ازدحمت بها البيوت والحارات والشوارع والاحياء ايام زمان ، والتي اصبحت صلة هذا الجيل بها شبه معدومه، في ظل سيطرة الفكرالالكتروني والعولمة . .
قصة '' طيارات الورق '' للكاتبة السعودية ''فوزية أبو خالد '' تؤكد على قيمة العمل وتشغيل العقل في أشياء مفيدة ، وتحكي عن طفل اسمه محمدا كان يتخذ من صنع هذه الطيرات هواية ممتعة ، وذات يوم وقع وكسرت يده ولم يعد باستطاعته العمل ، وفرغت الاجواء من هذه الطيارات الملونة فاضطر الاطفال الى المحاولة والتجريب حتى استطاعوا ان يصنعوا طياراتهم بأنفسهم .
ويقول مختصون بأن هذه اللعبة مفيدة لسلامة عيون الاطفال الذين يلعبون بها، لأن الطائرة عندما تطير في السماء الزرقاء يمينا ويسارا، تقترب تارة وتبتعد تارة أخرى ، تتحرك عيونهم معها ، وهذا يشكل تمرينا رائعا للبصر ..
وتنشط حركة بيع هذا النوع من الالعاب في العطلة الصيفية ، كما يقول مسؤول مكتبة بأحد أحياء المدينة الرياضية، حيث يبيع مابين 10-15 طيارة في اليوم الواحد ، ويتراوح سعر الواحدة منها مابين نصف دينار الى دينار ونصف وكلها مستوردة من شرق آسيا ، كما توجد طيارة تعرف بالكوبرا يبلغ سعرها سبعة دنانير تتمتع بمواصفات عالية لكن الاقبال عليها ضغيف بسبب ارتفاع سعرها.
في اجندة صغار الامس ، لم تكن اكثر من لعبة مسلية ، وعلى خلاف توقعات الاهل وبرغم براعته في التحليق بطيارته الورقية وهوطفل ، غير ان الطيران لم يكن خيار المحاسب'' محمد '' ، اذ كان يحلق بها ارتفاعات عالية ، وكانت متعة كبيرة ان يتغلب على جميع ابناء الحي في الطيران ، لكن عندما كبر اختلفت الميول ،اكتشف انها كانت جزء ا من الماضي ، ولم يشعران لديه استعداد للعمل كطيار ، يجوب البلاد بالطائرات ، اذ ان فكرة سقوط الطائرة تخيفه كثيرا.
وبرغم خيارات كثيرة امام هذا الجيل في قضاء العطلة الصيفية من انترنت وبلاي ستيشن والعاب الكمبيوتر ومشاهدة الفضائيات والالتحاق بالنوادي الصيفية والتردد على المولات ومراكز الالعاب الا ان التحليق بطيارة ورق شيء ممتع كما يقول ''مصطفى 12عاما '' ، الذي اعتاد ان يحلق مع ابناء الجيران كل منهم بطيارته ويتنافسون فيمن يرتفع بها اكثر.
وبرغم أن ''يوسف 13عاما '' فقد اكثر من طائرة في العطلة الماضية ، حيث علقت كل منها بأسلاك الكهرباء ، لكن هذا لم يمنعه من تكرار المحاولة مرة اخرى ويقول : بأنه سيحاول ان يختار الوقت الانسب لذلك.!!..
المفضلات