[frame="4 80"]
عداوة إبليس لآدم وذريته
يقول الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً 50: الكهف.
عداوة الشيطان قديمة من يوم (أَبَى وَاستَكبَر) وحسدَ إبليسُ آدم يوم أمرَ اللهُ الملائكةَ بالسجودِ لآدم.
إبليسُ لك حاسدٌ، على ما أعطاك الله من تكريم، حسدك إذ سجدت لك الملائكة، وما انتقم منك حاسدٌ بأكثرَ من تفريطك، ولا انتقمت منه بأعظم من تقويمك، فانظر كيف أبت نفسُك الطاعة وأنلت الحاسدَ المراد.
ما أشدَّ فرحَ إبليس بك حين تقطع رحمك، وما أشدَّ سروره بك حين تنقطعُ عن ربك، فتفرط في الصلاة وتقصر في الطاعات، ولا تتحرى حقَّ الفقراء في الزكاة.
اقرأ قوله تعالى : أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً الكهف 50.
ويقول الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً، إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير فاطر:6 .
وأعظمُ المصائبِ شماتةُ الأعداء، وألدُ الأعداء إبليسُ؛ فلا تجعل إبليسَ يشمت بك، وأعظم مداخل إبليس شهوة الدنيا في طلب الرزق، في توفير الحاجات من طعام وسيارة وبيت، ورحلة تترفه بها.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة 168 يكشف الله لنا في سورة آل عمران عن الشهوات التي فطر الإنسان على حبها فقال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران 14.
قال ابن عاشور: وبيان الشهوات بالنساء والبنين وما بعدهما ، بيان بأصول الشهوات البشرية : التي تجمع مشتهيَات كثيرة، والتي لا تختلف باختلاف الأمم والعصور والأقطار.
فالنفوس مجبولة على حب النساء وفي الحديث: ما تركتُ بعدي فتنةً أشدّ على الرجال من فتنة النساء ولم يُذكر الرجالُ لأنّ ميلَ النساء إلى الرجال أضعفُ في الطبع، وإنّما تحصل المحبّة منهن للرجال بالإلف والإحسان.
والقناطير جمع قنطار وهو ما يزن مائة رطل، وأصله معرّب قيل عن الرومية اللاتينية الشرقية، وكان القنطار عند العرب، وزنا ومقداراً، من الثروة، يبلغه بعض المثرين: وهو أن يبلغ مالُه اثنا عشر ألف دينارٍ أي ما يساوي قنطاراً من الفضة.
و الخيل محبوبة مرغوبة ، في العصور الماضية وفيما بعدها، لم يُنسها ما تفنّن فيه البشر من صنوف المراكب برّاً وبحراً وجوّاً وذكر الخيل لتواطؤ نفوس أهل البَذخ على محبّة ركوبها.
المسوّمة من السُّومَة بضم السين وهي السِّمة أي العلامة وإنّما يجعلون لها ذلك تنويهاً بكرمها والأنعام زينة لأهل الوبر قال تعالى: ولكم فيها جَمال حين تريحون وحين تسرحون النحل : 6.
وقد لا تتعلّق شهوات أهل المدن بشدّة الإقبال على الأنعام لكنّهم يحبّون مشاهدتها، ويُعنَون بالارتياح إليها إجمالاً والإشارة بقوله : ذلك متاع الحياة الدنيا إلى جميع ما تقدم ذكره والمتاع مؤذن بالقلة وهو ما يستمتع به مدة.
بعد أن ذكر الله الشهوات قال سبحانه: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 15 الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 16 الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ 17 آل عمران ثواب الله خيرٌ من متاع الدنيا لأنه باق والمتاع متعته محدودة والله عنده حسن مئاب أنّ ثواب الله خير من ذلك . والمآب : المرجع لماذا لم يذكر الذهب والدواب في نعيم الآخرة؟ وتلاحظ أن الله حين ذكر نعيم الدنيا جعله على أربعة أنواع أما حين ذكر نعيم الآخرة فقد قد ألغى ما يقابل شهوات الدنيا من الذهب والفضة ومن الدواب في ذكر نعيم الآخرة؛ لأنّ لذة البنين ولذة المال هنالك مفقودة، للاستغناء عنها، وكذلك لذة الخيل والأنعام؛ إذ لا دوابّ في الجنة، فبقي ما يقابل النساء والحرث، وهو الجنّات وَالأزواج، لأنّ بهما تمام النعيم والتأنّس، وزيد عليهما رضوان الله الذي حُرِمَه من جعل حظّه لذّات الدنيا وأعرض عن الآخرة . ولم يسعى لرضوانٌ من الله في الدنيا .
وجملة والله بصير بالعباد اعتراض لبيان الوعد أي أنّه عليم بالذين اتّقوا ومراتب تقواهم، فهو يجازيهم.
وقوله : الذين يقولون ومعنى القول هنا الكلامُ المطابق للواقع في الخبرِ، والجاري على فرط الرغبة في الدعاء، في قولهم: فاغفر لنا ذنوبنا إلخ ، وإنّما يجري كذلك إذا سعى الداعي في وسائل الإجابة وترقّبها بأسبابها التي ترشد إليها التقوى، فلا يُجازَى هذا الجزاءَ من قال ذلك بفمه ولم يعمل لهُ .[/frame]
المفضلات