نرى أن الذين حباهم الله روحاً مرحة ونفساً مشرقة مقبلة على الحياة هم زينة كل مجلس وفي الصدارة من كل مجتمع، بينما على النقيض من ذلك نرى أن الناس لا يرحبون بالأشخاص المكتئبين أبداً الشاكين على الدوام، وتعتبر روح المداعبة والمرح صفة أصيلة بل وميزة لكل الشعوب العربية عامة، وعندما جاء الإسلام عمق هذه النظرة وأكد هذا الشعور، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تفاءلوا بالخير تجدوه)، وفي القرآن الكريم تكرر معنى الرجاء والأمل أربعاً وعشرين مرة في حين أن لفظ اليأس لم يرد أكثر من ثلاث عشرة بينها اثنتان بصفة النهي، فقال عز وجل في سورة يوسف {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، والغريب أن روح التفاؤل والمرح جعل العرب يثقون بأنه قد يكون وراء الشدة ضرباً من المنفعة فنسمعهم يقولون: (رب ضارة نافعة)، ولم يكن من المبالغة أن يخرج الطبيب الفرنسي "ريمون موري" بنظرية (أن الضحك يشفي من الأمراض) في كتابه (الشفاء بالضحك) فيقول إنه شاهد عدداً كبيراً من المرضى وقد شفوا لأنهم عرفوا أن يجابهوا مرضهم بنفسية ساخرة مازحة لا تحفل بتقلبات الأيام أو مصائب الدهر.
ويعتبر الفيلسوف البريطاني "هربرت سبنسر" أن الضحك وسيلة أكيدة للتخلص من القلق وإزالة التوتر العصبي، ويضيف أنه وجد أن المرحين من الناس عاشوا حياة أطول، ليس ذلك فحسب بل إنهم عاشوا حياة خالية من الأمراض والأوجاع، ودائماً نرى أن الإنسان الساخر أو المرح أو الظريف لا يعرف الانتقام أو الحقد لأن طبيعته تتنافى مع ذلك تماماً، فهو بسيط، لا يعقد الأمور، وينزع البسمة من كل موقف، وهي وسيلته لإزالة أي خلاف بينه وبين أي من أصدقائه أو معارفه، وكما نعرف أن البسمة والكلمة الطيبة صدقة، وطبياً فإن الضحك مهم في حياة الإنسان لأن الشخص الذي يضحك فإن عضلات جسمه تسترخي إلى الدرجة التي تفقد فيها قوتها على الإمساك بالأشياء، والشخص الضحوك يكون دمه صافياً، فالمرح والابتسامة تدفع الخلايا وتثير الغدد لإفراز مواد كيميائية تنساب في تيار الدم ليغذي كل جزء من الجسم بدم نقي ممتلئ صحة وحيوية، ويمكن أن يكون هذا السبب في القول الشائع أن فلاناً دمه خفيف، وتخيلوا أن للضحك مراحل، فهناك الضحكة التي لا تتجاوز البسمة، وفيها تنفرج الشفاه قليلاً، وهناك مرحلة تكون فيها الضحكة أعمق لكي تشمل الوجدان، وهنا تصل إلى كل خلايا الجسم وتشرق بصفائها على الروح والنفس، وهنا يتحول الإنسان إلى صورة خفيفة شفافة فينسى آلامه وأحزانه وشقاء العالم ومعاناته.
وحتى الأئمة والعلماء كانوا ظرفاء، فقد روي أن أحدهم جاء للإمام أبي حنيفة النعمان وقال له: يا إمام، إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر لأغتسل، فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها، فقال له الإمام أبو حنيفة: الأفضل أن يكون وجهك إلى وجهة ثيابك حتى لا تسرق.. واضحكوا تصحوا. [/b][/size]
المفضلات