أدم وخطورة الغرور
يقول الله تعالى: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ الأعراف22.
هذه الآياتُ تتحدثُ عن قصة أبينا آدم، الذي كان في جنةٍ من نعمِ الله أخرجه منها إبليسُ الغَرور بحبلِ غُرور، وما زال إبليس يخدع آدم بغرورٍ ويكلمه بزخرفٍ من القول باطل حتى سقَط آدمُ بالشرَكِ وخرج من جنةِ الطاعة.
كان له في جنة الطاعة تكريم وتقدير اقرأ قوله تعالى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى 118 وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى 119فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى 120 فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى 121 طه: فترك الوعدَ الصادق وتمسك بحبل غُرور قِوامُها زخرفُ من القول وزورا، كان في نعمة ولما تبع إبليسَ زالت النعمةُ وحُرَم العطاء، إنها المعاصي مبيدُ النعم وسببُ النقم.
تُرى هل اعتبر ابنُ آدم من قصةِ أبيه! أم ما زال أبناء آدمَ يتساقطون بغرور، كتساقط الفراش على النار؟ أما قرأتَ قوله تعالى وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطلاق3 .
حدثني صديقٌ لي قال: عَرضت علي إحدى المؤسسات التي تعمل بالحرام في كسبها أن أعمل معها، وهي تعطي راتبا مغرياً فهل هذا جائز أم حرام ، قلت لصاحبي: لماذا تريد العمل مع مؤسسة تعمل بالحرام، قال: الوضع بحمد الله جيدٌ ولكن أنا تزوجت حديثاً، وغدا يأتيني أولادٌ، وأحتاج إلى زيادة المصروف.
قلت لصاحبي حين يرزقنا اللهُ الأولادَ، ونحتاجُ إلى المال، فذالك لنتوجَّه إليه سبحانه وندعَوه: نرجو رحمته ونخشى عِقابه، لا لنتوجه إلى البحث عن عمل محرمٍ نُرزق منه، وكيف نطلب رزقَ اللهِ بمعصيته؟.
إن واجهتك مشكلة توجه إلى الله واسأله من كريم جوده، ارفع يديكَ بالدعاء، واسْعَ في مناكبها، ففتش خبايا الأرض وادع مليكها لعلك يوماً أن تجاب فترزق .
إن بقاء النعمِ موكولٌ بالافتقارِ إلى المنعم، والتواضعِ للخالق أما الغرورٌ فهو سبب لسرعة زوال النعمة اقرأ قوله تعالى: فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ الغرور حبلُ إبليس للهبوط، وشرَكٌ للسقوط، وطريق مختصرٌ لسرعة زوال النعم. ذهبتُ يوماً لزيارة حديقةٍ للحيوانات، وكان فيها زاوية مخصصةٌ للزواحف تعِرضُ أنواعاً من الأفاعي الضخمة، كلُ أفعى في قفصٍ، ولفَتَ نظري وجودُ فرخِ دجاجٍ حديثِ الولادةِ يلعبُ في قفصٍ الأفعى، ويلهو، فسألتُ الموظف المسئولَ مستغرباً ومستنكراً: ماذا يفعل هذا الفرخُ في قفص الأفعى؟، فقال: هذا الفرخ هو طعام الأفعى، وحين تجوع تأكله .
قلتُ في نفسي: صورةُ هذا الفرخ وهو يلهو حول الأفعى يشبه العُصاةَ الذين يلْهُونَ بأسباب هلاكهم، وهذا الفرخ ليس عنده من الذاكرة التاريخية ما يُمَكِّنُه من معرفة عدوه من صديقه؛ فهو ابنُ بيضِ مزارع، نَما في حاضنةٍ صناعية، لم يتربَ عند أمٍ، تنقل له تجربتَها التاريخية في الحياة، فحاله كحال الأمم التي تواجه عدوَّهَا بلا ذاكرة، أو بذاكرةٍ تاريخية تعرضت للتدمير والتشويه، في ظل محاضنَ صناعية.
وحال هذا الفرخ يلهو بجوار أفعاه كحال الأبناء الذين تركهم آباؤهم بلا توجيه فواجهوا الواقع بلا خبرات، والله تعالى يقول مخاطباً الأولياء وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ الطور:21. فلا بدَّ أن يراقب الآباء حال الأبناء حتى يكونوا على طريق الهداية.
حال هذا الفرخِ اللاهي ينتظرُ مصيره المحتومَ في بطن الأفعى كحال العُصاةِ الذين اتَّبعوا إبليس، ونسوا كراهيته لآدم وذريته من يوم أبى واستكبر. طرد إبليسُ من رحمة الله بمعصية، وآدم ارتكب معصية وقبل الله توبته فما الفرق بين المعصيتين؟ أما إبليس فكانت معصيته عن استكبار وتعالٍ على أمر العظيم الجبار، قال تعالى: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ 75 قَال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ 76 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ صّ:77.
فأدى به الكبرُ إلى الطرد من الرحمة، وفي سورة الشعراء قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ 12 قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ الأعراف 13.
أما في حق أبينا آدم عليه السلام فنجد أن المعصية بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها بقوله: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) الأعراف 19اقرأ قوله تعالى وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ 22 قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . الأعراف 23 فاحذر عاقبةَ الكبرِ، وأقبلْ، واستغفرْ، عسى أن يمنَّ الله عليك بالرحمة .
منقوووول
أ. د عبدالله الكيلاني
المفضلات