عمان - دخل رجل طاعن بالسن يلبس عباءة تقليدية بلون أسود ويعتمر شماغا أحمر حاملا عصا يتوكأ عليها إلى وحدة شؤون المرضى التابعة للديوان الملكي. بيده الأخرى كان يحمل طلبا لإعفاء ابنته الشابة انتصار (22 عاما) المصابة بتصلب الشرايين التاجي وعدم انتظام دقات القلب.
وبعدما تناول بطاقة الدور من آلة إلكترونية مثبتة قرب بوابة الانتظار في الوحدة، توجه المسن إلى القاعة التي كانت تغص جنباتها بزهاء 600 مراجع.
20 دقيقة ظل ينتظر والد انتصار القادم من محافظة إربد، وهو يقلب تارة أوراقا ثبوتية تعود لابنته المريضة وتشرح حالتها، ويجوب تارة أخرى ببصره جنبات القاعة متأملا وجوه المراجعين من مسنين وشباب كانوا ينتظرون دورهم.
كانت عقارب الساعة تشير إلى تمام العاشرة صباحا حين ظهر على شاشة إلكترونية داخل القاعة ذات الرقم الذي يحمله العجوز، فما كان منه إلا أن جمع أوراقه، وحمل نفسه كأي مراجع ومضى بخطى متثاقلة أتعبتها السنون إلى الطابق الثاني من وحدة شؤون المرضى.
وبعد دقائق، وصل المسن متكئا على شيخوخته إلى غرفة في الطابق الثاني، وجلس إلى الطبيبة فاطمة خليفة التي طلبت منه أن يستريح قليلا لتطلع على التقارير الطبية وتدرس إلى أي جهة طبية يفضل تحويل المريضة المصابة بمتلازمة WBW.
وبعد أن استعرضت الطبيبة خليفة ملف المريضة؛ اسمها وعنوان إقامتها وطبيعة مرضها وتقاريرها الطبية، قامت بتحويلها مباشرة إلى مركز القلب في الخدمات الطبية الملكية لتلقي العلاج المناسب في وقت تخلو فيه مستشفيات الحكومة من هذه الخدمة العلاجية.
وتسلم المسن ورقة المراجعة مكتوبا عليها "المراجعة بعد أسبوع"، حتى يحصل على إعفاء لابنته لمدة 3 شهور قابلة للتجديد بحسب توصيات أطبائها في المستشفى، التي تحتاج تأكيدا من أطباء الوحدة التي أنشئت بمكرمة ملكية قبل 10 سنوات لتأمين الرعاية الصحية لكل مواطن يحمل رقما وطنيا لكنه "غير قادر على دفع تكاليف العلاج".
واكتملت فرحة المسن بحصوله على تأمين صحي مجاني لعلاج ابنته في فترة لا تتجاوز العشرين دقيقة قام خلالها بإجراءات سلسة غير معقدة لنيل مراده.
وعقب خروجه من باب الوحدة الرئيسة نحو الشارع الرئيس مقابل بنك الإسكان، أماط المسن اللثام عن وجهه ونزع لحيته التي غزا الشيب شعرها، ليلوح للمراجعين بيديه مودعا إياهم ومعلنا أنه قائد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني، جاء ليعيش معهم تفاصيل حياتهم اليومية ويخفف عنهم معاناتهم.
المفاجأة أبكت عددا كبيرا من المراجعين ولا سيما طاعنات في السن كن ينتظرن دورهن في الوحدة، هؤلاء استشعروا ولمسوا عن كثب حرص جلالته على متابعة احتياجات شعبه وتلمسها بنفسه وحل مشاكلهم بشكل سريع.
وتعتبر هذه الزيارة الملكية واحدة من العديد من الزيارات العديدة التي قام بها جلالة الملك متخفيا إلى مؤسسات ووزارات معنية بتقديم خدمات مباشرة للمواطنين لتفقد آلية تقديم هذه الخدمات وللتأكد من أن المواطن يحصل على أفضل الخدمات بطريقة سريعة ومن دون تعقيدات.
وتهدف هذه الزيارات الملكية المفاجئة وغير المعلن عنها والتي ستستمر في المستقبل الى دوائر ومؤسسات ووزارات للوقوف بشكل خاص على واقع الخدمات المقدمة للمواطنين وعن قرب تمهيدا لتوجيه الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتسهيل حصول المواطنين على هذه الخدمات وبشكل سريع.
وتساهم هذه الزيارات الملكية في الاستماع إلى ملاحظات المواطنين ومشاكلهم واقتراحاتهم المتعلقة بحصولهم على الخدمة المعنية تمهيدا لمعالجة أية ثغرات تعتري تلقيهم الخدمة.
وقال مدير وحدة شؤون المرضى بالوكاله الدكتور عماد عبندة في تصريح إلى "الغد": إن زيارة جلالته متخفيا إلى الوحدة وبشكل مفاجئ من دون أن يلحظ أي مراجع أو مسؤول وجوده بينهم يشكل دافعا كبيرا لكل مسؤول في موقعه لأن يعمل على خدمة المواطن باستمرار من دون تقاعس أو ملل، لضمان توجيه الخدمة إلى مستحقيها، لافتا إلى أن الوحدة تعمل على تقديم كافة التسهيلات للمواطنين، وخصوصا لـ"مرضى هم بأمس الحاجة إلى علاج ينقذ حياتهم ويساعدهم على العطاء".
وأكد عبندة أن وحدة شؤون المرضى الأردنيين غير المؤمنين صحيا "ينبغي أن تنهض بدور مهني إنساني رفيع لخدمة هذه الفئة من أبناء الوطن في جميع أنحاء المملكة ترجمة لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني".
وفي الوقت نفسه، تؤكد التوجيهات الملكية على ضرورة توفير العلاج للمواطن الأردني الذي يحمل رقما وطنيا، إذ يتم إعفاء جميع المرضى غير المؤمنين من تكاليف العلاج، بالإضافة إلى إعفاء مرضى السرطان والأمراض المزمنة من تكاليف العلاج، نظرا لارتفاع كلفة علاج هذين المرضين.
وأكد عبندة على أن تبسيط الإجراءات على رأس سلم أولويات الوحدة، فضلا عن إنجاز المعاملات بدقة وحرص شديدين وبسرعة قصوى، لافتا الى أنه يجري العمل حاليا على توسعة قاعات انتظار المراجعين وتزويدها بوسائل الراحة والتكييف.
ويمكن للمريض الحصول على إعفاء في الحد الأدنى لمدة 3 شهور، والحد الأقصى سنة قابلة للتمديد خلال فترة قصيرة، إذ يتم توجيه كتاب الى الجهة المعنية بالإعفاء، ما يمكن المريض من الدخول الى المستشفى فوراً وحين حصوله على بطاقة الإعفاء من الديوان الملكي خلال مدة لا تزيد بأي حال على أسبوعين, وفق عبندة.
ويشار إلى أن وزير الصحة الدكتور نايف الفايز كان أوعز "شفهيا" لمسؤولين في "الصحة" قبل يومين العمل على تمديد إعفاء مرضى القلب والسرطان من ثلاثة شهور إلى ستة شهور وتحويلهم مباشرة الى الجهات الطبية وتوفير أدويتهم بانتظام من دون انقطاع.[/CENTER]
صحيفة الغد/28-5-2009
المفضلات